الصفحة 285
الألبّاء(1)، والخالصة النجباء، وهم الروّاغون(2) فراراً بدينهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا، اُولئك من شيعتي الأطيبين واخواني الأكرمين، ألا هاه شوقاً إليهم(3).

وعن عليّ عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعليّ لقاحها والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا أغصانها، فما من عبد أحبّنا أهل البيت وعمل بأعمالنا، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب إلاّ أدخله الله الجنّة(4).

وعن عليّ عليه السلام انّه قال: يا نبيّ الله بيّنه لي لأهتدي بهداك لي، فقال: يا عليّ من يهدي الله فلا مضلّ له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وانّه عزوجل هاديك ومعلّمك وحق لك أن تعي، لقد أخذ الله ميثاقي وميثاقك وميثاق شيعتك وأهل مودّتك إلى يوم القيامة، فهم شيعتي وذووا مودّتي وهم ذووا الألباب، يا عليّ حق على الله أن ينزلهم في جنّاته ويسكنهم مساكن الملوك، وحق لهم أن يطيبوا(5).

وباسناده مرفوعاً إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام انّه سئل: أيّ الأعمال أفضل بعد المعرفة؟ قال: ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة، ولا بعد المعرفة والصلاة شيء يعدل الزكاة، ولا بعد الزكاة شيء يعدل الحج، وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا وخاتمته معرفتنا ولا شيء بعد ذلك.

كبّر الاخوان، والمواساة ببذل الدينار والدرهم فإنّهما حجران ممسوخان، بهما امتحن الله خلقه بعد الذي عدّدت لك، وما رأيت شيئاً أسرع غنىً ولا أنفى

____________

1- في "ج": الأولياء.

2- قال في البحار: أي يميلون عن الناس ومخالطتهم.

3- أمالي الطوسي: 576 ح3 مجلس 23; عنه البحار 68: 177 ح34.

4- أمالي الطوسي: 611 ح12 مجلس 28; عنه البحار 68: 69 ح126 باختلاف.

5- أمالي الطوسي: 612 ح1 مجلس 29; عنه البحار 38: 316 ضمن حديث 21.


الصفحة 286
للفقر من إدمان حج هذا البيت، وصلاة فريضة تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبّلات، ولحجة عند الله خير من بيت مملوء ذهباً، لا بل خير من ملئ الدنيا ذهباً وفضّة ينفق في سبيل الله عزوجل. والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً لقضاء حاجة امرئ مسلم وتنفيس كربته أفضل عند الله من حجة وطواف، وحجة وطواف وعمرة حتّى عدّ عشرة، ثمّ رفع يده.

وقال: اتّقوا الله ولا تملّوا من الخير ولا تكسلوا فإنّ الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله غنيّان عنكم وعن أعمالكم وأنتم الفقراء إلى الله عزوجل، وإنّما أراد الله عزوجل بلطفه سبباً يدخلكم الجنّة به(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: مصافحة المؤمن بألف حسنة(2).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ لله عباداً من خلقه تفزع الناس إليهم في حوائجهم، اُولئك الآمنون من عذاب الله عزوجل(3).

وعنه عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أفضل الأعمال عند الله عزوجل ابراد الأكباد(4) الحارّة، وإشباع الأكباد الجائعة، والذي نفس محمد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعاناً وأخوه ـ أو قال: جاره ـ المسلم جائعاً(5).

وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من كسى مؤمناً كُسي ألف حلّة، وقُضي له ألف حاجة، وكتب الله له عبادة سنة، وغفر له ذنوبه كلّها وإن كانت أكثر من نجوم السماء، وأعطاه الله يوم القيامة ثواب ألف شهيد، وزوّجه الله تعالى ألف

____________

1- أمالي الطوسي: 694 ح21 مجلس 39; عنه البحار 27: 202 ح71.

2- مستدرك الوسائل 9: 58 ح10200 عن مشكاة الأنوار.

3- البحار 74: 318 ح81 عن دعوات الراوندي.

4- في "ج": الأفئدة.

5- أمالي الطوسي: 598 ح15 مجلس 26; عنه البحار 74: 368 ح58.


الصفحة 287
حوراء، وكتب له براءة من النار وجواز على الصراط.

وعن النبي صلى الله عليه وآله: إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار.

وعن أبي جعفر عليه السلام: من مشى في حاجة أخيه المؤمن أظلّه الله عزوجل بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدماً إلاّ كتب له بها حسنة، وحطّ بها عنه سيّئة، ورفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله له بها بكلّ ما قضاه له أجر حاجّ ومعتمر.

وعن أبي عبد الله عليه السلام: من مشى في حاجة أخيه المؤمن كان أحبّ إلى الله من عتق ألف نسمة، وحمل ألف فرس في سبيل الله مسرّجة ملجّمة.

وقال عليه السلام: من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله، كتب الله له ألف ألف حسنة يغفر فيها لأقاربه وجيرانه واخوانه ومعارفه.

وقال عليه السلام: من أغاث(1) أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفّس كربته وأعانه على نجاح حاجته، كتب الله له بذلك اثنين وسبعين رحمة يعجّل الله له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته ويدّخر له احدى وسبعين رحمة لإفزاع يوم القيامة وأهواله.

وقال عليه السلام: أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربته وهو معسر، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة(2).

وقال عليه السلام: من أشبع مؤمناً وجبت له الجنّة، ومن أشبع كافراً كان حقّاً على الله أن يملأ جوفه من الزقوم، وإنّ اشباع(3) رجل من المسلمين أحبّ إليّ

____________

1- في "ج": أعان.

2- الكافي 2: 200 ح5; عنه البحار 74: 322 ح89.

3- في "ج": ولئن أشبع.


الصفحة 288
من إطعام(1) اُفقاً من الناس، قلت: وما الاُفق؟ قال: مائة ألف أو يزيدون(2).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله عزوجل من ثلاث جنان في ملكوت السماوات: الفردوس، وجنّة عدن، وطوبى(3).

وقال عليّ عليه السلام: ما من رجل يدخل بيته مؤمنان ويشبعهما إلاّ كانذلك أفضل من عتق نسمة(4).

وعن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم(5).

وقال الصادق عليه السلام: من أطعم مؤمناً حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل الاّ الله ربّ العالمين، ثمّ قال: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان، قال تعالى: {أو اطعام في يوم ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة}(6).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سقى مؤمناً شربة ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه الله عزوجل بكلّ شربة سبعين ألف حسنة، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنّما أعتق عشر رقاب من ولد اسماعيل(7).

وقال الصادق عليه السلام: لإطعام مؤمن أحبّ إليّ من عتق عشر رقاب وعشر حجج(8)، ومن كساه ثوباً كسوة شتاً أو صيف كان حقاً على الله أن يكسوه

____________

1- في "ج": أن أطعم.

2- الكافي 2: 200 ح1و2; عنه البحار 74: 369 ح63 و64; والمحاسن 2: 149 ح31.

3- الكافي 2: 200 ح3; عنه البحار 74: 371 ح65; والمحاسن 2: 152 ح44.

4- المحاسن 2: 155 ح55; عنه البحار 75: 460 ح10; والكافي 2: 201 ح4.

5- الكافي 2: 201 ح5; عنه البحار 74: 373 ح67; والمحاسن 2: 152 ح43.

6- المحاسن 2: 145 ح17; عنه البحار 71: 392 ح57; والآية في سورة البلد: 14-16.

7- الكافي 2: 201 ح7; عنه البحار 74: 374 ح69.

8- الكافي 2: 204 ح20; عنه البحار 74: 379 ح82.


الصفحة 289
من ثياب الجنّة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت، وأن يوسّع عليه في قبره، وأن تلقاه الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، كما قال تعالى: {تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون}(1)(2).

وقال عليه السلام: من كسى أحداً من فقراء المسلمين ثوباً من عرى، أو عانه بشيء ممّا يقوته من معيشة، وكّل الله عزوجل به سبعة آلاف ملك يستغفرون لكلّ ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور(3).

وقال عليه السلام: من كسى مؤمناً ثوباً من عرى كساه الله من استبرق الجنّة، ومن كساه ثوباً من غنى لم يزل في ستر الله عزوجل ما بقي من الثوب خرقة(4).

وقد ورد انّ مشركاً تلطّف بمؤمن فلمّا مات أوحى الله إليه: لو كان في جنّتي سكن لمشرك لأسكنتك فيها، ولكنّها محرّمة على من مات بي مشركاً، ولكن يا نار حاذيه ولا تؤذيه، قال: ويؤتى رزقه طرفي النهار من حيث يشاء الله(5).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: من أدخل على مؤمن سروراً خلق الله عزوجل من ذلك السرور تمثالا لا يزال معه في كلّ هول يبشّره بالجنّة(6).

____________

1- فصلت: 30.

2- الكافي 2: 204 ح1; عنه البحار 74: 379 ح83 والآية فيه تختلف.

3- الكافي 2: 204 ح2; عنه البحار 74: 380 ح84.

4- الكافي 2: 205 ح5; عنه البحار 74: 381 ح87.

5- الكافي 2: 188 ضمن حديث 3; عنه البحار 74: 288 ح16.

6- الكافي 2: 191 ح12 باختلاف; معالم الزلفى: 141.


الصفحة 290

الباب الثامن والأربعون
في الدعاء وبركته وفضله


قال الله تعالى: {اُدعوني أستجب لكم}(1).

وقال سبحانه: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}(2).

وقال سبحانه: {إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}(3) يعني عن دعائي.

وقال سبحانه: {ولقد أرسلنا إلى اُمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلّهم يتضرّعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم}(4).

وقال: {قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعاً وخفية}(5).

ومدح قوماً على الدعاء فقال: {انّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا

____________

1- غافر: 60.

2- النمل: 62.

3- غافر: 60.

4- الأنعام: 42-43.

5- الأنعام: 63.


الصفحة 291
رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}(1).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: أفضل العبادة الدعاء(2).

وقال: الدعاء مخّ العبادة(3).

وقال: إذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له باب الاجابة بالرحمة، وانّه لن يهلك مع الدعاء هالك(4)، وانّ الله سبحانه وتعالى يغضب إذا ترك سؤاله، فليسأل أحدكم ربّه حتّى شسع نعله إذا انقطع، إنّ سلاح المؤمن الدعاء.

وقال عليه السلام: إنّه سبحانه يبتلي العبد حتّى يسمع دعاءه وتضرّعه(5).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما كان الله ليفتح على العبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الاجابة وهو يقول: {اُدعوني أستجب لكم}(6) وما كان الله ليفتح باب التوبة فيغلق باب [الرحمة و](7) المغفرة، لأنّه يقول: {هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات}(8).

وما كان الله ليفتح باب الشكر ويغلق باب الزيادة لأنّه يقول: {لئن شكرتم لأزيدنّكم}(9) وما كان الله ليفتح باب التوكّل ولم يجعل للمتوكّل مخرجاً فإنّه سبحانه يقول: {ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على الله فهو حسبه}(10).

____________

1- الأنبياء: 90.

2- كنز العمال 2: 64 ح3134.

3- كنز العمال 2: 62 ح3113.

4- إلى هنا في البحار 93: 302 ح39 عن عدّة الداعي.

5- مجموعة ورام 1: 4 نحوه.

6- غافر: 60.

7- أثبتناه من "ب".

8- غافر: 60.

9- ابراهيم: 7.

10- الطلاق: 2-3.


الصفحة 292
وقال عليه السلام: الدعاء يردّ القضاء المبرم(1).

وقال عليه السلام: من سرّه أن يكشف عنه البلاء فليكثر من الدعاء.

وينبغي للعبد أن يدعو بهمّ مجموع، وقلب خاشع، وسريرة خالصة، وبدن خاضع، وجوارح متذلّلة، ويقين واثق بالاجابة ليصدق قوله تعالى: {اُدعوني أستجب لكم}، ولا يكون قلبه متشاغلا لغير الله تعالى.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: للدعاء شروط أربعة، الأوّل: احضار النيّة، الثاني: اخلاص السريرة، الثالث: معرفة المسؤول، الرابع: الانصاف في المسألة، فإنّه روي أنّ موسى عليه السلام مرّ برجل ساجد يبكي ويتضرّع ويدعو، فقال موسى: يا ربّ لو كانت حاجة هذا العبد إليّ(2) لقضيتها، فأوحى الله إليه: يا موسى إنّه يدعوني وقلبه مشغول بغنم له، فلو سجد حتّى ينقطع صلبه وتتفقّأ عيناه لم أستجب له، وفي رواية اُخرى: حتّى يتحوّل عمّا أبغض إلى ما اُحبّ.

وقال تعالى: إنّ العبد يدعوني للحاجة فآمر بقضائها، فيذنب فأقول للملك: إنّ عبدي قد تعرّض لسخطي بالمعصية فاستحقّ الحرمان، وانّه لا ينال ما عندي إلاّ بطاعتي(3).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: إنّ العبد ليرفع يديه إلى الله تعالى ومطعمه حرام وملبسه حرام، فكيف يُستجاب له وهذه حالته؟!(4).

وقال: ثلاث خصال يدرك بها خير الدنيا والآخرة: الشكر عند النعماء، والصبر عند الضرّاء، والدعاء عند البلاء.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لو أنّ الناس إذا زالت عنهم النعم ونزلت

____________

1- البحار 93: 289 ضمن حديث 5; عن الخصال، حديث الأربعمائة.

2- في "ج": بيدي.

3- الكافي 2: 271 ح14; عنه البحار 73: 329 ح11 باختلاف.

4- كنز العمال 2: 81 ح3236 نحوه.


الصفحة 293
بهم النقم، فزعوا إلى الله بوله من نفوسهم، وصادق من نيّاتهم، وخالص من سرائرهم، لردّ عليهم كلّ شارد، ولأصلح لهم كلّ فاسد، ولكنّهم أخلوا بشكر النعم فسلبوها، وإنّ الله تعالى يعطي النعم بشرط الشكر لها والقيام فيها بحقوقها، فإذا أخلّ المكلّف بذلك كان لله التغيير.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: التعلّل زكاة البدن، والمعروف زكاة النعم، وكلّ نعمة اُنيل منها المعروف فمأمونة السلب، محصنة من الغير.

وقال: والله ما نزع من قوم نعماً إلاّ بذنوب اجترحوها، فاربطوها بالشكر وقيّدوها بالطاعة، والدعاء مفتاح الرحمة، وسراج الزاهدين، وشوق العابدين، وأقرب الناس إلى الاجابة والرحمة الطائع المضطر الذي لابدّ له ممّا سأله وخصوصاً عند نفوذ الصبر.

وقال النبي صلى الله عليه وآله: فعند فناء الصبر باب الفرج.

وجاءت امرأة إلى الصادق عليه السلام فقالت: يا ابن رسول الله إنّ ابني سافر عنّي وقد طالت غيبته وقد اشتدّ شوقي إليه فادع الله لي، فقال لها: عليك بالصبر، فمضت وأخذت صبراً واستعملته، ثمّ جاءت بعد ذلك فشكت إليه فقال لها: عليك بالصبر، فاستعملته.

ثمّ جاءت فشكت إليه طول غيبة ابنها، فقال لها: ألم أقل لك عليك بالصبر؟ فقالت: يا ابن رسول الله كم الصبر، فوالله لقد فنى الصبر، فقال: ارجعي إلى منزلك تجدي ولدك قد قدم من سفره، فمضت فوجدته قد قدم، فأتت به إليه، فقالوا: يا ابن رسول الله أوحيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: لا ولكنّه قد قال: عند فناء الصبر يأتي الفرج، فلمّا قالت قد فنى الصبر عرفت انّ الله قد فرّج عنها بقدوم ولدها.

والدعاء اظهار العبد الفاقة والافتقار إلى الله تعالى مع الاستكانة والتذلّل

الصفحة 294
والمسكنة والخضوع، وإذا فعل العبد ذلك فقد فعل ما عليه من العبوديّة، ولله سبحانه المشيئة في الاستجابة على قدر ما يراه من مصلحة العبد وما يقتضيه العدل والحكمة، لأنّ جوده وكرمه لا يتعدّيان حكمته، فإنّه سبحانه لا يمنع لبخل ولعُدم بل للمصلحة وما تقتضيه الحكمة، لا على سؤال العبد فيما يقترحه ويهواه، ولهذا قال: {لو اتبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنّ}(1).

لأنّ الداعي يدعو بما يظنّه انّه مصلحة له، والله يعمل على ما يعلم، كمن دعا الله تعالى أن يعطيه مالا وعلم انّه يطغى به فمنعه اشفاقاً عليه ورحمة له، فسبحان من عطاؤه كرم، ومنعه فضل.

ومن أكثر من الدعاء والذكر والشكر والحمد والثناء على الله أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين، فإنّه تعالى يقول في بعض كتبه: "إذا شغل عبدي ذكري عن مسألته أعطيته أفضل ممّا أعطي السائلين".

وينبغي أن يكون الداعي بلسانه راضياً بقلبه فيما يجري له وعليه ليجمع بين الأمرين: الرجاء والرضا، ولا ينبغي للعبد أن يملّ، والتطويل له أفضل ما لم يتضيّق وقت فريضة.

وفي الخبر انّ الله إذا أحبّ أن يسمع صوت عبده ودعاءه أخّر حاجته(2)، يقول: يا جبرئيل أخّر حاجته فإنّي اُحبّ تضرّعه وسماع صوته، وإذا كره سماع صوت عبده قال: يا جبرئيل عجّل حاجته فإنّي أكره أن أسمع صوته(3).

هذا إذا كان عاصياً، وإنّ العبد ليدعو الله تعالى وهو عليه غضبان فيردّه، ثمّ يدعو فيردّه، ثمّ يدعوه فيقول: أبى عبدي أن يدعو غيري فقد استجبت له(4).

____________

1- المؤمنون: 71.

2- في "ج": اجابته.

3- كنز العمال 2: 85 ح3261; جامع الأخبار: 370 ح1025; عدة الداعي: 31.

4- مجموعة ورام 1: 7 نحوه.


الصفحة 295
فلا تيأسوا من تأخير الاجابة، وقد كان بين اجابة موسى وهارون في فرعون أربعين سنة من حين قال الله لهما: {قد اُجيبت دعوتكما}(1).

وروي انّ تاجراً كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله يسافر من المدينة إلى الشام ولا يصحب القوافل توكّلا على الله، فعرض له لصّ في طريقه وصاح به، فوقف فقال له: خذ المال ودعني، فقال: لا غنى لي عن نفسك، فقال: دعني أتوضّأ واُصلّي أربع ركعات، فقال: افعل ما شئت، فتوضّأ وصلّى ثمّ رفع يديه إلى السماء وقال:

"يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا ذا البطش الشديد، يا فعّالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدّرت بها على جميع خلقك، وبرحمتك التي وسعت كلّ شيء، لا إله إلاّ أنت، يا مغيث أغثني، يا مغيث صلّ على محمّد وآل محمد وأغثني".

فإذا هو بفارس على فرس أشهب عليه ثياب خضر وبيده رمح، فشدّ على اللص فطعنه طعنة فقتله، ثمّ قال للتاجر: اعلم إنّي ملك من السماء الثالثة حين دعوت سمعنا أبواب السماء قد فتحت، فنزل جبرئيل عليه السلام وأمرني بقتله، واعلم يا عبد الله انّه ما دعا بدعائك هذا مكروب ولا محزون إلاّ فرّج الله عنه وأغاثه، فرجع التاجر إلى المدينة سالماً، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فقال له: لقد لقّنك الله أسماءه الحسنى التي إذا دُعي بها أجاب وإذا سُئل بها أعطى.

قال مصنّف هذا الكتاب شمله الله تعالى بواسع رحمته: إنّ من شرائط الدعاء وآدابه استحضار العبد ذهنه وفطنته، وأن لا يكون قلبه متشاغلا بغير الله، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: إنّ الله لا يستجيب دعاء عبد وقلب لاه(2).

____________

1- راجع الكافي 2: 489 ح5; والآية في سورة يونس: 89.

2- الدعوات: 30 ح61; عنه البحار 93: 313 ضمن حديث 17.


الصفحة 296
ومن شرائطه أن يكون مطعم العبد وملبسه من حلال، فإنّ الله سبحانه قال: {إنّما يتقبّل الله من المتّقين}(1)، وقال رجل للصادق عليه السلام: إنّا ندعوا الله فلا يستجيب لنا، قال: إنّكم تدعون من لا تهابونه وتعصونه، فكيف يستجيب لكم؟!.

وروى عثمان بن عيسى عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: آيتين في كتاب الله أطلبهما ولا أجدهما، قال: ما هما؟ قلت: قول الله عزوجل: {اُدعوني أستجب لكم}(2) فندعوه فلا نرى اجابة، قال: أفترى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فممّ ذلك؟ قلت: لا أدري، فقال: ولكنّي اُخبرك، من أطاع الله فيما أمره ثمّ دعاه من جهة الدعاء أجابه.

قلت: وما جهة الدعاء؟ قال: تبدأ فتحمد الله وتذكر نعمه عندك، ثمّ تشكره ثمّ تصلّي على النبي صلى الله عليه وآله، ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها، ثمّ تستغفر الله منها، فهذا جهة الدعاء، قال: وما الآية الاُخرى؟

قلت: قول الله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}(3) وانّي أنفق ولا أرى خلفاً، قال: أفترى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فممّ؟ قلت: لا أدري، قال: لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حلّه وأنفقه في حقّه، لم ينفق رجل درهماً إلاّ أخلفه الله عليه(4).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من عبد دعا الله سبحانه دعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا اثم إلاّ أعطاه الله بها احدى خصال ثلاث: أما أن تعجّل دعوته، وأما أن تؤخّر له، وأما أن تدفع عنه من السوء مثلها، قالوا: يا رسول الله

____________

1- المائدة: 27.

2- غافر: 60.

3- السبأ: 39.

4- الكافي 2: 486 ح8; عدّة الداعي: 21.


الصفحة 297
إذن نُكْثِر، قال: الله أكثر، وفي رواية: الله أكثر وأطيب ـ ثلاث مرّات ـ(1).

وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، وانّي إنّما ابتليته لما هو خير له، وعافيته لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر على نعمائي اثبته في الصديقين عندي إن عمل برضائي وأطاع أمري(2).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: يقول الله عزوجل: يا عبادي أطيعوني فيما أمرتكم ولا تعلموني بما يصلحكم، فإنّي أعلم به ولا أبخل عليكم بمصالحكم(3).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا عباد الله أنتم كالمرضى وربّ العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبّره، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه، ألا فسلّموا الله أمره تكونوا من الفائزين(4).

وعن الصادق عليه السلام: عجبت للمؤمن لا يقضي الله بقضاء إلاّ كان خيراً له، وإن قرض بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له(5).

وفيما أوحى الله إلى داود عليه السلام: من انقطع إليّ كفيته، ومن سألني أعطيته، ومن دعاني أجبته، وإنّما اُؤخّر دعوته وهي معلّقة وقد استجبتها حتّى يتمّ قضائي، فإذا تمّ قضائي أنفذت ما سأل.

قل للمظلوم: إنّما اُؤخّر دعوتك وقد استجبتها لك على من ظلمك لضروب

____________

1- كنز العمال 2: 70 ح3171; دعوات الراوندي: 19 ح12; عنه البحار 93: 366 ح16; جامع الأخبار: 369 ح1022.

2- أمالي المفيد: 63; عنه البحار 67: 235 ح52; وأمالي الطوسي: 238 ح13 مجلس 9.

3- مجموعة ورام 2: 108; عدة الداعي: 37.

4- الاحتجاج 1: 85، احتجاجه في تحويل القبلة; عنه البحار 84: 61 ضمن حديث 12; مجموعة ورام 2: 117.

5- الكافي 2: 62 ح8; عنه البحار 72: 331 ح15; مجموعة ورام 2: 184.


الصفحة 298
كثيرة غابت عنك، وأنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، امّا أن يكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لا لك ولا عليك، وامّا أن تكون لك درجة في الجنّة لا تبلغها عندي إلاّ بظلمه لك، لأنّي أختبر عبادي في أموالهم وأنفسهم وربّما أمرضت العبد فقلّت صلاته وخدمته، ولصوته إذا دعاني في كربته أحبّ إليّ من صلاة المصلّين.

ولربما صلّى العبد فأضرب بها وجهه، وأحجب عنّي صوته، أتدري من ذلك يا داود؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق، وذلك الذي حدّثته نفسه لو ولّي أمراً لضرب فيه الرقاب ظلماً.

يا داود نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها، لو رأيت الذين يأكلون الناس بألسنتهم وقد بسطتها بسط الأديم، وضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار ثمّ سلّطت عليهم موبخاً لهم يقول: يا أهل النار هذا فلان السليط فاعرفوه، كم من ركعة طويلة فيها بكى وخشيته ما تساوي عند الله فتيلا، حين نظرت في قلبه فوجدته إن سلّم من صلاته وبرزت له امرأة وعرضت عليه نفسها أجابها، وإن عامله مؤمن خاتله(1).

وقال عليه السلام في صفة رفع اليدين بالدعاء: هكذا الرغبة، وبسط راحتيه باطنهما إلى السماء، وهكذا الرهبة وجعل ظهرهما إلى السماء، وقال: هكذا التضرّع ورفع اصبعيه السبابتين وحرّكهما يميناً وشمالا، وقال: هكذا التبتّل ورفع سبابتيه عالياً ونصبهما، وقال: هكذا الابتهال وبسط يديه رافعاً لهما، وقال: من ابتهل منكم فمع الدمعة يجريها على خدّيه، وينبغي للداعي أن يكون متطهّراً مستقبل القبلة(2).

ومن آداب الدعاء المواضع الشريفة، والأوقات الشريفة، وعقيب الصلاة،

____________

1- البحار 14: 42 ح34; عن عدة الداعي: 38.

2- مكارم الأخلاق: 272 في الأوقات المرجوّة لاجابة الدعاء.


الصفحة 299
وأن يكون في يده خاتم عقيق أو ذي فص عقيق، فقد روي انّه لا ترد يد فيها عقيق، وقال: ما رفع إلى الله كفّ أحبّ إليه من كف فيها عقيق، وانّه لا يفتقر كفّ فيها عقيق، وهو أمن في السفر(1).

وقال الصادق عليه السلام: صلاة ركعتين بخاتم عقيق أفضل من سبعين ركعة بغيره.

وقال عليه السلام: العقيق أوّل جبل أقرّ لله تعالى بالعبوديّة والوحدانيّة، ولمحمّد صلى الله عليه وآله بالنبوّة، ولعليّ بالولاية، آلى(2) الله على نفسه انّه لا يرد كفّاً رفعت إليه بالعقيق ولا يعذّبها.

وكان قد أضرّ رجل فشكى إلى الله تعالى، فرأى في منامه قائلا يقول له: قل يا قريب يا مجيب يا سميع يا بصير يا لطيف يا خبير يا لطيفاً لما يشاء، صلّ على محمد وآل محمد وردّ عليّ بصري، فردّ الله تعالى عليه بصره.

وروي أنّ شاباً تعلّق بأستار الكعبة باكياً وقال: الهي ليس لك شريك فيؤتى، ولا وزير فيرشى، ولا حاجب فينادى، إن أطعتك فلك الحمد والفضل، وإن عصيتك فلك الحجة، فبإثبات حجّتك عليّ وقطع حجّتي اغفر لي، فسمع هاتفاً يقول: أنت معتوق من النار، وخير الدعاء ما هيّجته الأحزان، وحرّكته الأشجان، وشفيع المذنبين دموعهم(3).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: عليكم بالبكاء من خشية الله، يبنى لكم بكلّ دمعة ألف بيت في الجنّة، وما من شيء أحبّ إلى الله من قطرة دمع من خشية الله، وقطرة دم جرت في سبيل الله، وإذا أراد الله بعبد خيراً نصب في قلبه نائحة من الحزن، وانّ الله يحبّ كلّ قلب حزين، وخير الدعاء الخفي، قال الله تعالى: {اُدعوا

____________

1- عدة الداعي: 129.

2- في "ج": قدر.

3- هكذا وفي "الف": ذنوبهم.


الصفحة 300
ربّكم تضرّعاً وخفيةً}(1).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: خير العبادة أخفاها(2).

وقال: خير الذكر الخفي(3).

وقال: دعاء السرّ يزيد على الجهر سبعين ضعفاً(4).

وأثنى الله سبحانه على زكريا عليه السلام بقوله: {إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً}(5)، وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله أقواماً يجاهرون بالدعاء، فقال: أربعوا(6) بأصواتكم فإنّ ربّكم ليس بأصمّ(7).

____________

1- الأعراف: 55.

2- قرب الاسناد: 135 ح475، وفيه: أعظم العبادة أجراً.

3- كنز العمال 1: 417 ح1771.

4- البحار 93: 312 ضمن حديث 17; عن الدعوات: 18 ح7.

5- مريم: 3.

6- في "ج": لا ترفعوا.

7- كنز العمال 2: 82 ح3243 نحوه.