الصفحة 253

الباب الأربعون
في المراقبة


قال الله تعالى: {وكان الله على كل شيء رقيباً}(1).

وقال النبي صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه: اعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك(2).

وهذا اشارة إلى المراقبة، لأنّ المراقبة علم العبد باطلاع الرب عليه في كل حالاته، وملاحظة الإنسان لهذا الحال هو المراقبة، وأعظم مصالح العبد استحضاره مع عدد أنفاسه انّ الله تعالى عليه رقيب ومنه قريب، يعلم أفعاله، ويرى حركاته، ويسمع أقواله، ويطلع على أسراره، وانّه يتقلّب في قبضته، وقلبه وناصيته بيده، وانّه لا طاقة له على التستر عنه، ولا على الخروج عن سلطانه.

قال لقمان لابنه: يا بني إذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكاناً لا يراك فيه. اشارة منه له انّك لا تجد مكاناً لا يراك فيه فلا تعصه، وقال تعالى: {وهو معكم أين

____________

1- الأحزاب: 52.

2- راجع البحار 77: 76.


الصفحة 254
ما كنتم}(1).

وكان بعض العلماء يرفع شاباً على تلاميذه كلهم، فلاموه في ذلك، فأعطى كل واحد منهم طيراً وقال: اذبحه في مكان لا يراك فيه أحد، فجاؤوا كلهم بطيورهم وقد ذبحوها، وجاء الشاب بطيره وهو غير مذبوح. فقال: لم لا تذبحه؟ فقال: لقولك لا تذبحه إلاّ في مكان لا يراك فيه أحد، ولا يكون مكان إلاّ يراني فيه الواحد الأحد الفرد الصمد، فقال له: أحسنت، ثم قال لهم: لهذا رفعته عليكم وميّزته منكم(2).

ومن علامات المراقبة ايثار ما آثر الله، وتعظيم ما عظّم الله، وتصغير ما صغّر الله، فالرجاء يحرك(3) على الطاعات، والخوف يبعد عن المعاصي، والمراقبة تؤدّي إلى طريق الحياء وتحمل على ملازمة الحقائق والمحاسبة على الدقائق.

وأفضل الطاعات مراقبة الحق سبحانه على دوام الأوقات، ومن سعادة المرء أن يلزم نفسه المحاسبة والمراقبة وسياسة نفسه باطلاع الله ومشاهدته لها، وانّها لا تغيب عن نظره، ولا تخرج عن علمه.

وينبغي للواعظ غيره أن يعظ نفسه قبلهم، ولا يغرّه اجتماع الناس عليه واستماعهم منه، فانّهم يراقبون ظاهره والله شهيد على ما في باطنه.

روي انّ بعضهم رأى شاباً حسن العبادة والاجتهاد فقال: يا فتى على ما بنيت أمرك؟ فقال: على أربع خصال، قال: وما هي؟ قال: علمت انّ رزقي لا يفوتني منه شيء وانّ وعد الله حق فاطمأننت إلى وعده، والثانية علمت انّ عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، والثالثة علمت انّ أجلي يأتيني بغتة فبادرته، والرابعة علمت انّي لا أغيب عن نظر الله في سرّي وعلانيتي، فأنا مراقبه في كل أحوالي.

____________

1- الحديد: 4.

2- مجموعة ورام 1: 235 نحوه.

3- في "ج": يحثك.


الصفحة 255

الباب الحادي والأربعون
في ذم الحسد


قال الله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق * من شرّ ما خلق}، وعدّد المستعاذ منهم، ثم ختم السورة بقوله: {ومن شرّ حاسد إذا حسد}(1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اياكم وثلاث خصال فانّهنّ رأس كل خطيئة: اياكم والكبر، فإنّ ابليس حمله الكبر على ترك السجود لآدم فلعنه الله وأبعده، واياكم والحرص، فإنّ آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة، واياكم والحسد فإنّ قابيل ابن آدم حمله الحسد على قتل أخيه هابيل، والحاسد جاحد لانّه لم يرض بقضاء الله.

واعلم انّ الحسود لا يسود، وجاء في تأويل قوله تعالى: {قل انّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}(2)، قيل: ما بطن الحسد، وقال تعالى في بعض كتبه [المنزلة](3): الحاسد عدوّ نعمتي، والحسد يبين في الحاسد قبل المحسود.

____________

1- الفلق: 5-1.

2- الأعراف: 33.

3- أثبتناه من "ب".


الصفحة 256
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله(1).

وقال بعضهم: الحمد لله الذي لم يجعل في قلوب الاُمراء والولاة ما في قلب الحاسد، فكان يهلك الناس جميعاً.

وروي انّ في السماء الخامسة ملكاً تمرّ به الأعمال، فربما مرّ به عمل كالشمسيضيء نوراً فيرده ويقول: هذا فيه حسد فاضربوا به وجه صاحبه، وما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم إلاّ الحاسد، وكل أحد في رضاه سبيل إلاّ الحاسد لا طريق إلى رضاه، لأنّه لا يرضيه إلاّ زوال نعمة المحسود.

ومن علامة الحاسد انّه يشمت بزوال نعمة الذي يحسده ومصائبه، ومن علامته أيضاً انّه يتملّق إذا حضر، ويغتابه إذا غاب عنه من يحسد.

وروي انّ موسى عليه السلام رأى رجلاً عند العرش فغبطه وقال: يا رب بم نال هذا ما هو فيه من سكناه تحت ظلال عرشك؟ فقال: انّه لم يكن يحسد الناس.

والحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت، وينبغي لمن أراد السلامة من الحاسد أن يكتم عنه نعمته، وأعظم الأخلاق المذمومة الحسد والغيبة والكذب، فإذا كان الحاسد همّه نشر خصائل المحسود فانّه ينشر فضائله من حيث لا يعلم، ولقد أحسن الشاعر في قوله:


وإذا أراد الله نشر فضيلةطويت أتاح لها لسان حسود

ولقد أحسن الشاعر أيضاً:


وكيف يرجى ودّ حسود(2) نعمةإذا كان لا يرضيه إلاّ زوالها

وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب،

____________

1- البحار 73: 241.

2- في "ب": حاسد.


الصفحة 257
فلا تحاسدوا(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ولا تحاسدوا فإنّ الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب(2).

وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قد شهدا بانّ الحسد يأكل الايمان والحسنات فأيّ شيء يبقى مع العبد مع(3) ذهاب الايمان والحسنات، فتحرّروا منه تستريح قلوبكم وأبدانكم من التعب والاثم، ولقد سرّني اننّي قد مثلت في نفسي انّ عينيّ(4) لو تحوّلتا إلى رأس غيري لم أحسده، إذ قد فات الأمر في ذلك ولم يبق الا الصبر والاحتساب، وانّ الحزن والحسد بعد فوات ذلك مصيبة ثانية.

فتمثّلوا رحمكم الله آخر الأمر تستريحوا وتفوزوا، فالعاقل يحسب آخر الامور فيقف عندها ولا يتجاوزها، ومتى كان الغالب على القلب الفكر وعلى اللسان الذكر، فإنّ العبد لا يتخلّى مع ذلك لحسد ولا لشيء من المعاصي وغيرها، وانّ الذكر والفكر سيف قاطع لرأس كل شيطان من الجن والانس، وجنّة واقية من الغفلة، وخير الذكر الخفي.

____________

1- المجازات النبويّة: 210 ح 193; عنه البحار 73: 257 ح 30.

2- تحف العقول: 101; عنه البحار 77: 291 ح 2.

3- في ""ج": بعد.

4- في "ج": انّ عقلي لو تحوّل.


الصفحة 258

الباب الثاني والأربعون
في فراسة المؤمن


قال الله تعالى: {انّ في ذلك لآيات للمتوسمين}(1)، قيل: المتفرسون.

قال النبي صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور الله(2)، يعني ينظر بنور وهبه الله له.

وروي عن اُويس رحمه الله انّه لما قصده حيان بن هرم قال له حين رآه: السلام عليك يا أخي حيان بن هرم، فقال له: من أين لك معرفتي ولم ترني؟ فقال له: المؤمن ينظر بنور الله، وانّ أرواح المؤمنين تسام كما تسام الخيل.

والفراسة أنوار سطعت في القلوب لحقائق الايمان، ومعرفة تمكّنت في النفوس فصدرت من حال إلى حال حتّى شهدت الأشياء من حيث أشهدها سيدها ومولاها، فنطقت عن ضمائر قوم وأمسكت عن آخرين، والفراسة أيضاً نتيجة اليقين، وطريق المؤمنين.

____________

1- الحجر: 75.

2- بصائر الدرجات: 377 ح 10; عنه البحار 67: 74 ح 4.


الصفحة 259
وسُئل النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام}(1) قال: يقذف في قلبه نوراً فينشرح ويتوسّع.

والتفرس من خواص أهل الايمان، سطعت في قلبه أنواراً فأدرك بها المعاني، ومن غضّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمّر باطنه بصفاء السريرة ومراقبة الله تعالى، وظاهره باتباع الكتاب والسنة، ولم تدخل معدته الحرام، وخرس لسانه من الكذب والغيبة ولغو القول لم تخط فراسته.

وينبغي لمن جالس أهل الصدق أن يعاملهم بالصدق، فإنّ قلوبهم جواسيس القلوب، وينبغي الكون معهم لقوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(2)، يعني المعلوم لهم الصدق، وهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله أجمعين.

والدليل على صدقهم قوله تعالى: {انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}(3)، والكذب أيضاً رجس.

وقال صلى الله عليه وآله: انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

فأمر باتباعهم إلى يوم القيامة، فدلّ ذلك على انّ كل زمان يكون منهم من يقوم بالكتاب والعمل به في تفسيره وتفصيل حلاله وحرامه، ولم يقل بذلك سوى الشيعة الاثنى عشرية. فدلّ هذا التفصيل على صدقهم أيضاً فيجب الكون معهم، وانّ الصدق مفتاح كل خير، ومغلاق باب كل سوء، وما لزمه إلاّ كل من نجى من ورطات الذنوب وفضيحات العيوب.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الصادق على شرف منجاة، والكاذب على

____________

1- الأنعام: 125.

2- التوبة: 119.

3- الأحزاب: 33.


الصفحة 260
شفا مهواة ومهانة(1).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يزال العبد يصدق حتّى يكتبه الله صدّيقاً، ولا يزال يكذب حتّى يكتبه الله كذّاباً(2).

والصدق عماد الدين ونجاة المسلمين، وهو تالي درجة النبوة، ورأس الفتوّة، وموجب مرافقة النبيين، قال الله تعالى: {فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً}(3).

والصادق اسم لازم للصدق، والصدّيق المبالغ فيه، المتحرّي له في أقواله وأفعاله وكل حالاته التي تصدق قوله فعله، ومن أراد أن يكون الله معه فليلزم الصدق، فإنّ الله تعالى يقول: انّ الله مع الصادقين.

والمداهن لا يشمّ رائحة الجنّة، والصادق الذي لو كشف سرّه لما خالف ظاهره، وقد قال الله تعالى: {فتمنّوا الموت ان كنتم صادقين}(4)، يعني في انّكم أحباء الله وأولياؤه، لأنّ الحبيب يتمنّى لقاء حبيبه.

والصدق علامة صحّة المعرفة والمهابة والمراقبة له لمشاهدته حال المخلوقين في أسرارهم وخلواتهم، ومعاملة الله تعالى بالصدق ساعةً خير من الضرب بالسيف في سبيل الله سنةً، ومن عامل الله تعالى بالصدق في عباده أعطاه الله من نور الفراسة ما يبصر به كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة، فعليكم بالصدق من حيث يضرّكم فانّه ينفعكم، وايّاكم والكذب من حيث ينفعكم فانّه يضرّكم.

وعلامة الكذب(5) تبرّعه باليمين من غير أن يحلّفه أحد، فانّه لا يحلف الرجل

____________

1- تحف العقول: 101; عنه البحار 77: 294 ح 2.

2- الكافي 2: 338 ح 2; عنه البحار 72: 235 ح 2.

3- النساء: 69.

4- الجمعة: 6.

5- في "ب": الكذّاب.


الصفحة 261
في حديثه إلاّ لأحدى خصال ثلاث: اما لعلمه انّ الناس لا يصدّقونه إلاّ إذا حلف لمهانته عندهم، أو لتدليس كذبه عندهم، أو لغو في النطق يتّخذ حلفه حشو في كلامه.

والصدق مجلبة للرزق، لقوله عليه السلام: الصحة والصدق يجلبان الرزق. والصدق هو أصل الفراسة، والفراسة الصادقة هي أول خاطر من غير معارض، فإن عرض عارض فهو من وساوس النفس.

وجاء في قوله تعالى: {أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس}(1)، أي ميت الذهن، فأحياه الله بنور الايمان والفراسة، وقوله: {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}(2)، يعني الكافر في ظلمات كفره لا نور له ولا فراسة ولاسبب يستضيء به عند ظلمة نفسه، فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

____________

1- الأنعام: 122.

2- الأنعام: 122.


الصفحة 262

الباب الثالث والأربعون
في حسن الخلق وثوابه


قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله: {وانّك لعلى خلق عظيم}(1)، مادحاً له بذلك وكفى بذلك مدحة.

وقيل: انّ سبب نزول هذا الآية انّه كان قد لبس برداً نجرانياً ذا حاشية قويّة، فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابي من خلفه فحزّت في عنقه، وقال له: أعطني عطائي يا محمد، فالتفت إليه صلوات الله عليه وآله متبسّماً وأمر له بعطائه، فنزل قوله تعالى: {وانّك لعلى خلق عظيم}، فمدحه الله بهذه مدحة لم يمدح بها أحداً من خلقه.

وسئل النبي صلى الله عليه وآله: أيّ المؤمنين أفضلهم ايماناً؟ فقال: أحسنهم خلقاً(2).

وقال الصادق عليه السلام: أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً(3).

____________

1- القلم: 4.

2- راجع البحار 71: 395 ح 70.

3- أمالي الطوسي: 139 ح40 مجلس: 5; عنه البحار 71: 389 ح 44.


الصفحة 263
وقال: انّ الصبر والصدق وحسن الخلق والحلم من اخلاق الأنبياء(1). وما يوضع في ميزان امرىء يوم القيامة شيء أفضل من حسن الخلق(2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انّ الخلق الحسن يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وانّ الخلق السيّىء يفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل(3).

وقال: انّ حسن الخلق ينبت(4) المودّة، وحسن البشر يذهب بالسخيمة، ومن أيقن بالخلف سخت(5) نفسه بالنفقة، فاستنزلوا الرزق بالصدقة، واياكم أن يمنع أحدكم من [ذي ]حق [حقه] فينفق مثله في معصية.

وقال: انّ حسن الخلق يبلغ درجة الصائم القائم(6).

وقال عليه السلام: انّ الله يعطي العبد على حسن خلقه من الثواب كما يعطي المجاهد في سبيل الله(7).

وقال: الرفق يمن، والخرق شؤم(8).

وقال: أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وأداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً(9).

وقال: يا بني عبد المطلب إفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام، تدخلوا الجنة بسلام(10).

____________

1- الخصال: 251 ح 121 باب 4; عنه البحار 74: 394 ح 17.

2- الكافي 2: 99 ح 2; عنه البحار 71: 374 ح 2.

3- راجع البحار 71: 395 ح 74.

4- في "ج": يثبت.

5- في "ب": سمحت.

6- الكافي 2: 103 ح 18; عنه البحار 71: 381 ح 16.

7- الكافي 2: 101 ح 12; عنه البحار 71: 377 ح 10.

8- الكافي 2: 119 ح 4; عنه البحار 75: 59 ح 23.

9- روضة الواعظين: 377; والبحار 69: 381 ح 41 نحوه.

10- المحاسن 2: 141 ح 3; عنه البحار 74: 10 ح 40.


الصفحة 264
وقال أبو حمزة الثمالي: قال علي بن الحسين عليه السلام: انّ أحبّكم إلى الله أحسنكم خلقاً، وأعظمكم عملاً أشدّكم فيما عند الله رغبة، وأبعدكم من عذاب الله أشدّكم خشية، وأكرمكم عند الله أتقاكم(1).

وقال الصادق عليه السلام لجراح المدائني: ألا [اُحدّثك](2) بمكارم الأخلاق؟ قال: بلى، قال: الصفح عن الناس، ومواساة الرجل أخاه في الله، وذكر الله كثيراً(3).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أحلم الناس الذين إذا غضبوا عفوا، وأصبرهم أكظمهم للغيظ، وأغناهم أرضاهم بما قسّم الله، وأحبّهم إلى الله أكثرهم ذكراً، وأعدلهم من أعطى الحق من نفسه، وأحبّ للمسلمين ما يحبّ لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه.

وقال الحسين بن عطية: قال أبو الحسن عليه السلام: مكارم الأخلاق عشرة، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن فانّها تكون في الرجل ولا تكون في ولده، وتكون في ولده ولا تكون فيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحر: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، وإعطاء السائل، والمكافاة على الصنائع، والتذمّم للجار وللصاحب، ورأسهنّ الحياء وكثرة الذكر(4).

وقال ابو عبد الله عليه السلام: من صدق لسانه زكى عمله، ومن حسنت نيّته زيد في رزقه، ومن حسن برّه بأهل بيته مدّ في عمره(5).

وقال عليه السلام: لا تغتروا بصلاتهم وصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج

____________

1- راجع البحار 104: 73 ح 25.

2- أثبتناه من "ب"، وفي "الف" و"ج": اُحدّثكم.

3- معاني الأخبار: 191 ح2; عنه البحار 69: 372 ح 18.

4- الكافي 2: 55 ح 1; عنه البحار 70: 367 ح 17.

5- الكافي 2: 105 ح 11; عنه البحار 71: 8 ح 9.


الصفحة 265
بالصلاة والصيام حتّى لو تركها استوحش لذلك، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، والبرّ بالإخوان(1).

قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلّمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم المنقري، قال: كان عنده ضيف فجاءت جارية بشواء في سفود(2)، فوقع على ابن له فمات من ساعته، فدهشت الجارية فقال لها: لا روع ولا خوف ولا جزع عليك، وأنت حرّة لوجه الله.

وقال النبي صلى الله عليه وآله: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه، وحسن الخلق(3).

وعنه عليه السلام: ثلاثة لا تعرف إلاّ في ثلاثة: لا يعرف الحليم إلاّ في الغضب، ولا الشجاع إلاّ عند الحرب، ولا الأخ الا عند الحاجة(4).

وتبع الأحنف رجل يشتمه في طريقه، فلما قرب من داره قال له: يا هذا ان كان بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك خدمي وقومي فيقتلوك.

ودعا علي بن الحسين عليه السلام عبداً له فلم يجبه مرات، فقال له: ما منعك من جوابي؟ فقال: أمنت عقوبتك، فقال: امض فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى(5).

ومن حسن الخلق انّ العبد يعطي الناس من نفسه ما يحبّ أن يعطوه من أنفسهم، وهو أيضاً احتمال ما يقع من جفاء الناس، واحتمالهم من غير ضجر ولا حرد، وقال موسى عليه السلام في مناجاته: أسألك يا رب أن لا يقال فيّ ما ليس فيّ، فقال: يا موسى ما فعلت هذا لنفسي فكيف لك؟!.

____________

1- الكافي 2: 104 ح 2; عنه البحار 71: 2 ح 2.

2- السَّفُود والسُّفُود ـ بالتشديد ـ: حديدة ذات شعب مُعَقَّفَة معروف يُشوى به اللحم، وجمعه سفافيد. (لسان العرب) 3- مجموعة ورام 1: 90; وروضة الواعظين: 376.

4- تحف العقول: 233; عنه البحار 78: 229 ح 9.

5- ارشاد المفيد: 258; عنه البحار 46: 56 ح 6 نحوه.


الصفحة 266
والخلق الحسن احتمال المكروه مع بسط الوجه وتبسّم السنّ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الشؤم، فقال: سوء الخلق(1).

وقيل: يا رسول الله ادع الله على المشركين يهلكهم الله، قال: انّما بعثت رحمة لا عذاباً.

وقال رجل للرضا عليه السلام: ما حد حسن الخلق؟ فقال: أن تعطي الناسمن نفسك ما تحبّ أن يعطوك مثله، فقال: ما حدّ التوكّل؟ فقال: أن لا تخاف مع الله أحداً، فقال: احب أن أعرف كيف أنا عندك، فقال: انظر كيف أنا عندك(2).

وقال المتوكل لعليّ الهادي عليه السلام كلاماً يعاتبه ويلومه فيه، فقال له: لا تطلب الصفو ممن كدرت عليه، ولا الوفاء ممن صرفت سوء ظنّك إليه، فانّما قلب غيرك لك كقلبك له(3).

وقال عليه السلام: لا يكمل المؤمن ايمانه حتّى تكون فيه ثلاث خصال، خصلة من ربه، وخصلة من نبيّه، وخصلة من امامه، فاما التي من ربه: فكتمان السرّ فانّه قال تعالى: {فلا يظهر على غيبه احد * إلاّ من ارتضى من رسول}(4). واما من نبيه: [فمداراة الناس](5)، فانّه قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}(6)، واما من امامه: فالصبر على البأسآء والضرّآء فإنّ الله تعالى يقول: {والصابرين في البأسآء والضرآء}(7).

ومن حسن الخلق أن يكون الرجل كثير الحياء، قليل الأذى، صدوق

____________

1- مجموعة ورام 1: 89.

2- أمالي الصدوق: 199 ح 8 مجلس: 42; عنه البحار 71: 134 ح 11.

3- راجع البحار 74: 182 ح 8; عن الدرة الباهرة.

4- الجن: 26-27.

5- أثبتناه من الخصال.

6- الأعراف: 199.

7- الخصال: 82 ح 7 باب 3; عنه البحار 75: 417 ح 71; والآية في سورة البقرة: 177.


الصفحة 267
اللسان، قليل الكذب، كثير العمل، قليل الزلل، وقوراً صبوراً، [رضيّاً](1) تقيّاً شكوراً، رفيقاً عفيفاً شفيقاً، لا نمّام ولا غيّاب ولا مغتاب، ولا عجول ولا حسود ولا بخيل، يحبّ في الله، ويبغض في الله، ويعطي في الله، [ويمنع في الله](2)، ويرضى في الله، ويسخط في الله، يحسن ويبكي كما انّ المنافق يُسيء ويضحك.

وقال النبي صلى الله عليه وآله: انّ أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا، فهم الأتقياء الأنقياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفقدوا، تعرفهم بقاع الأرض، وتحفّ بهم ملائكة السماء، ينعم الناس بالدنيا وتنعّموا بذكر الله.

افترش الناس الفرش وافترشوا الجباه والركب، وَسَعُوا الناس بأخلاقهم، تبكي الأرض لفقدهم، ويسخط الله على بلد ليس فيها منهم احد، لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف، شعثاً غبراً تراهم الناس فيظنّون انّ بهم داء وقد خولطوا أو ذهبت عقولهم، وما ذهبت بل نظروا إلى أهوال الآخرة فزال حبّ الدنيا عن قلوبهم، عقلوا حيث ذهبت عقول الناس، فكونوا أمثالهم(3).

وقال ابو عبد الله عليه السلام: مكارم الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك(4).

____________

1- أثبتناه من "ب" و"ج".

2- أثبتناه من "ج".

3- مجموعة ورام 1: 100.

4- الكافي 2: 107 ح 3; عنه البحار 71: 399 ح 3، وفيه: تحلم إذا جهل عليك.