الصفحة 90

الباب السابع
في التحذير بالعقوبة في الدنيا


قال الله تعالى: {فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}(1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يظهر في امّتي الخسف والقذف(2)، قالوا: متى يكون ذلك يا رسول الله صلى الله عليك وآلك؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقيّنات وشرب الخمور، والله ليبيت(3) اُناس من امّتي على شرّ وبطر ولعب، ويصبحون قردة وخنازير لاستحلالهم الحرام، واتخاذهم القينات، وشرب الخمور، وأكلهم الربا، ولبسهم الحرير(4).

وقال عليه السلام: إذا جار الحاكم قلّ المطر، وإذا غدر بأهل الذمّة ظهر

____________

1- العنكبوت: 40.

2- في "ب": الترف.

3- في "ب" و"ج": ليبيتنّ.

4- عنه الوسائل 12: 231 ح30.


الصفحة 91
عليهم عدوّهم، وإذا ظهرت الفواحش كانت الرجفة، وإذا قلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استبيح الحريم، وانّما هو التبديل [ثم التدبير](1) ثم التدمير.

____________

1- أثبتناه من "ب" و"ج".


الصفحة 92

الباب الثامن
في قصر الأمل


قال الله تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}(1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حان(2) الأجل دون رجاء الأمل.

وقال بعضهم: لو رأيت الأجل ومسيره لبغضت(3) الأمل وغروره.

وقال أنس: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فوضع ثوبه تحت رأسهونام، فهبّت ريح عاصفة فقام فزعاً وترك رداءه، فقلنا: يا رسول الله مالك؟ قال: قد ظننت انّ الساعة قد قامت.

وقال صلى الله عليه وآله: يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان: الحرص وطول الأمل(4).

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبة: اتقوا الله فكم من مؤمّل ما

____________

1- الحجر: 3.

2- في "ب" و"ج": جاء.

3- في "ج": لأبغضت.

4- الخصال: 73 ح113 باب 2; عنه البحار 73: 161 ح 8.


الصفحة 93
لا يبلغه، وجامع ما لا يأكله، ولعلّه من باطل جمعه ومن حق منعه، أصابه حراماً وورثه عدواً، فاحتمل اصره، وبآء بوزره، وردّ على ربّه خاسراً آسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين(1).

وقال الأصمعي: سمعت أعرابيّاً يقول: انّ الآمال قطعت أعناق الرجالكالسراب، أخلف من رجاه، وغرّ من رآه، ومن كان الليل والنهار مطيّتاه أسرعا به السير، وبلغاه المحل.

وأنشد بعضهم:


ويمسي المرء ذا أجل قريبوفي الدنيا له أمل طويل
ويعجّل للرحيل وليس يدريإلى ماذا يقرّبه الرحيل

وقال آخر:


يا أيّها المطلق آمالهمن دون آمالك آجال
كم أبلت الدنيا وكم جددتفينا وكم تبلي وتغتال

وقال الحسين عليه السلام: ياابن آدم انّما أنت أيّام، كلّما مضى يوم ذهب بعضك.

وقال بعضهم لرجل: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت والله في غفلة عن الموت، مع ذنوب قد أحاطت بي وأجل مسرع، أقدم على هول لا أدري على ما أقتحم، فمن أسوء حالاً منّي وأعظم خطراً، ثم بكى(2).

ودخل أبو العتاهيّة على أبي نواس في مرضه الذي مات فيه، فقال: كيف تجد نفسك؟ فقال أبو نواس:


دبّ في الفنى سفلاً وعلواًوأراني الموت عضواً فعضواً

____________

1- نهج البلاغة: قصار الحكم 344; عنه البحار 78: 83 ح 88.

2- مجموعة ورام 2: 221.


الصفحة 94

ذهبت جدتي لطاعة نفسيفتذكّرت طاعة الله نضواً
ليس من ساعة مضت بي الاّنقصتني بمرّها لي جزواً
قد أساءت كلّ الاساءة اللهمصفحاً عنّا وعفواً وعفواً

وقال آخر:


يمد المنى للمرء آمال نفسهوسهم الردى من لحظ عينيه قد نزع
لمن يجمع المال البخيل وقد رأىمصارع من قد كان بالأمس قد جمع


الصفحة 95

الباب التاسع
في قصر الأعمار وسرعة انقضائها وترك الاغترار بها


قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أعمار امّتي ما بين الستين إلى السبعين، وقلّ ما يتجاوزها(1).

وجاء في قوله تعالى: {أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر}(2) انّه معاتبة لابن الأربعين، وقيل لابن ثمانية عشر سنة، {وجاءكم النذير}(3) الشيب.

وفي قوله: {قد بلغت من الكبر عتيّاً}(4) جاوزت الستين. وروي انّ لله ملكاً ينادي أبناء الستين: عدّوا أنفسكم في الموتى(5). وقال بعضهم: يوشك انّ من سار إلى منهل ستين سنة أن يردّه(6).

وأنشد بعضهم:

____________

1- عنه معالم الزلفى: 59.

2- فاطر:37.

3- فاطر: 37.

4- مريم: 9.

5- عنه مستدرك الوسائل 12: 156 ح 13766.

6- مجموعة ورام 2: 222 نحوه.


الصفحة 96

تزوّد من الدنيا فانّك لا تبقىوخذ صفوها لمّا صفت ودع الزلقا
ولا تأمننّ الدهر انّي أمنتهفلم يبق لي خلاًّ ولم يبق لي حقّاً(1)

وقال آخر:


تزوّد من الدنيا فانّك راحلوبادر فإنّ الموت لا شك نازل
وانّ امرءً عاش ستين حجّةولم يتزوّد للمعاد فجاهل(2)

وقال آخر:


إذا كانت الستون عمرك لم يكنلدائك الاّ أن تموت طبيب
وانّ امرءً عاش ستين حجّةإلى منهل من ورده لقريب
إذا ذهب القرن الذي أنت فيهموخُلّفت في قرن فأنت غريب

وجاء في قوله تعالى: {انّما نعدّ لهم عدّاً}(3) قال: الأنفاس، يخسرها من أنفقها في غير طاعة الله(4).

وقال بعضهم: العمر قصير، والسفر بعيد، فاشتغل(5) بصلاح أيّامك(6)، وتزوّد(7) لطول سفرك(8)، وانتفع بما جمعت فقدّمه من ممرّك إلى مقرّك قبل أن تنزعج(9) عنه فتحاسب به ويحضي به غيرك، فما أقلّ مكثك في دار الفناء، وأعظم مقامك في دار البقاء.

____________

1- في "ج": خلفاً.

2- في "ج": فهو جاهل.

3- مريم: 84.

4- مجموعة ورام 2: 222.

5- في "ب": فاشتغلوا.

6- في "ب": أيّامكم.

7- في "ب": تزوّدوا.

8- في "ب": سفركم.

9- في "الف": تزعج.


الصفحة 97
وقال بعضهم:


لهفي على عمر ضيّعت أوّلهوغال(1) آخره الأسقام والهرم
كم أقرع السن عند الموت من ندموأين يبلغ قرع السن والندم
هلاّ انتبهت(2) ووجه العمر مقتبلوالنفس في جدة والعزم مخترم

وجاء في قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} قال: الشباب، {ثم رددناه أسفل سافلين}(3) قال: الهرم.

وقال بعضهم: الشيب رائد الموت، ونذير الفناء، ورسول المنيّة، وقاطع الاُمنيّة، وأوّل مراحل الآخرة، ومقدّمة الهرم، [ورائد الانتقال، ونذير الآخرة](4)، وواعظ فصيح، وهو للجاهل نذير، وللعاقل بشير، وهو سمت الوقار، وشعار الأخيار، ومركب الحمام، والشباب حلم المنام.

وقيل لشيخ من العبّاد: ما بقي منك مما تحب له الحياة؟ فقال: البكاء على الذنوب(5).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: خير شبابكم من تزيّا بزيّ شيّابكم، وشرّ شيّابكم من تزيّا بزيّ شبابكم.

وقال صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى: "وعزّتي وجلالي انّي لأستحي من عبدي وأَمَتي يشيبان في الإسلام أن اُعذّبهما، ثم بكى صلى الله عليه وآله فقيل: ممّ تبكي يا رسول الله؟ فقال: أبكي ممّن استحى الله من عذابهم ولا يستحون من عصيانهم(6).

____________

1- غاله الشيء غولا واغتاله: أهلكه وأخذه من حيث لم يدر. (لسان العرب) 2- في "ج": انتهيت.

3- التين: 4-5.

4- أثبتناه من "ب" و"ج".

5- مجموعة ورام 2: 222.

6- في "ب": عصيانه.


الصفحة 98
وقال بعضهم: من أخطأته سهام المنيّة قيّده عقال الهرم.

وقال بعضهم:


انّي أرى رقم البلاءفي قود(1) رأسك قد نزل
وأراك تعثر دائماًفي كلّ يوم بالعلل
والشيب والعلل الكثيرةمن علامات الأجل
فاعمل لنفسك أيّها المغــرور في وقت العمل

وقال آخر:


ولقد رأيت صغيرةفسترت شيبي بالخمار
قالت: غبار قد علاك؟فقلت: ذا غير الغبار
هذا الذي نقل الملوك إلى القبور من الديار

____________

1- في "ج": قرن.


الصفحة 99

الباب العاشر
في المرض ومصلحته


قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً لأصحابه: أيّكم يحب أن يصح ولا يسقم؟ قالوا: كلّنا يا رسول الله، فقال: أتحبّون أن تكونوا كالحمير الضالة، ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب كفّارات، والذي نفسي بيده انّ الرجل ليكون له الدرجة في الجنّة ما يبلغها بشيء من عمله ولكن بالصبر على البلاء، وعظيم الجزاء لعظيم البلاء، فإنّ الله إذا أحب عبداً ابتلاه بعظيم البلاء، فان رضي فله الرضا، وان سخط فله السخط.

وقال عليه السلام: لو يعلم المؤمن ما له في السقم ما أحبّ أن يفارق السقم أبداً.

وقال عليه السلام: يود أهل العافية يوم القيامة انّ لحومهم قرّضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء(1).

____________

1- جامع الأخبار: 310 ح 857; عنه البحار 67: 235 ح54.


الصفحة 100
وقال موسى عليه السلام: يا ربّ لا مرض يضنيني(1)، ولا صحّة تنسيني، ولكن بين ذلك أمرض تارة فأذكرك، وأصح تارة فأشكرك(2).

وروي انّ أباالدرداء مرض فعادوه، فقالوا: أيّ شيء تشتكي؟ فقال: ذنوبي، قالوا: فأيّ شيء تشتهي؟ فقال: المغفرة من ربّي(3)، فقالوا: ألا ندعوا لك طبيباً؟ فقال: الطبيب أمرضني، قالوا: فاسأله عن سبب ذلك، فقال: قد سألته فقال: انّي أفعل ما اُريد.

ومرض رجل فقيل له: ألا تتداوى، فقال: انّ عاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً كانت لهم أطباء داووا(4)، فلا الناعت بقي ولا المنعوت له، ولو كانت الأدواء تمنع الداء لما مات طبيب ولا ملك(5).

____________

1- الضَّنْي: السقيم الذي قد فال مرضه وثَبَتَ فيه...، وأَضْناهُ المرضُ أي أثقله. (لسان العرب) والمراد أنّ موسى عليه السلام يسأل الله تعالى أن لا يصيبه بمرض مثقل طويل، ولا بصحّة توجب الغفلة والنسيان.

2- دعوات الراوندي: 134 ح334، إلى قوله: لكن بين ذلك.

3- في "ب": ذنوبي.

4- في "ب": أدواء، وفي "ج": أدوية.

5- مجموعة ورام 2: 222 نحوه.


الصفحة 101

الباب الحادي عشر
في ثواب عيادة المريض


عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمى رائد الموت، وسجن الله في أرضه، وحرّها من جهنّم، وهي حظ(1) كل مؤمن من النار، ونعم الوجع الحمى، تعطي كل عضو حقه من البلاء، ولا خير في من(2)لا يبتلي.

انّ المؤمن إذا حمّ حماة واحدة تناثرت عنه الذنوب كورق الشجر، فان أَنَّ على فراشه فأنينه تسبيح، وصياحه تهليل، وتقلّبه في فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل الله، فان أقبل يعبد الله في مرضه كان مغفوراً له وطوبى له.

وحمى ليلة كفّارة سنة، لأنّ ألمها يبقى في الجسد سنة، وهي كفارة لما قبلها وما بعدها، ومن اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدّى شكرها، كانت له كفّارة ستين سنة لقبولها ولصبره عليها(3)، والمرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة،

____________

1- في "ب": حرز.

2- في "ب": في مؤمن.

3- في "ب": وسنة لصبره عليها.


الصفحة 102
ولا يزال المرض بالمؤمن حتّى لا يبقى عليه ذنباً، وصداع ليلة يحطّ كلّ خطيئة الاّ الكبائر(1).

وقال صلى الله عليه وآله: للمريض في مرضه أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر الله الملك أن يكتب له ثواب ما كان يعمله في صحّته، وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر، ومن عاد مريضاً لم يسأل الله شيئاً الاّ أعطاه.

ويوحي الله تعالى إلى ملك الشمال لا تكتب على عبدي مادام في وثاقي [شيئاً](2)، وإلى ملك اليمين أن اجعل أنينه حسنات، وانّ المرض ينقي الجسد من الذنوب كما ينقي(3) الكير(4) خبث الحديد، وإذا مرض الصغير كان مرضه كفّارة لوالديه(5).

وروي فيما ناجى موسى ربّه أن قال: يا ربّ أعلمني ما في عيادة المريض من الأجر؟ فقال سبحانه: اُوكّل به ملكاً يعوده في قبره إلى محشره، قال: يا ربّ فما لمن غسّله؟ قال: اغسله من ذنوبه كما ولدته اُمّه. فقال: يا ربّ فما لمن شيّع جنازته؟ قال: اُوكّل بهم ملائكتي يشيّعونهم في قبورهم إلى محشرهم، قال: يا ربّ فما لمن عزّا مصاباً على مصيبته؟ قال: أظلّه بظلّي يوم لا ظل الاّ ظلّي(6).

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: عائد المريض يخوض في الرحمة، فإذا جلس ارتمس فيها(7).

ويستحب الدعاء له، فيقول العائد: اللهم ربّ السماوات السبع [وربّ

____________

1- أورده المصنف في أعلام الدين: 397 و 398.

2- أثبتناه من "ب" و"ج".

3- في "ب": يذهب.

4- الكير ـ بالكسر ـ: زقّ ينفخ فيه الحداد. (القاموس) 5- أورده المصنف في أعلام الدين: 398.

6- أورده المصنف في أعلام الدين: 398 و 399.

7- كنز الفوائد: 178; عنه البحار 81: 224 ح 33.


الصفحة 103
الأرضين السبع](1)، وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ، وربّ العرش العظيم، صل على محمد وآل محمد واشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك، واجعل شكايته كفّارة لما مضى من ذنوبه ومابقى(2).

ويستحب للمريض الدعاء لعائده، فإنّ دعاءه مستجاب، وتكره الاطالة عند المريض.

____________

1- أثبتناه من "ب" و "ج".

2- أورده المصنف في أعلام الدين: 399; عنه البحار 81: 225 ح35.