الصفحة 384
شئ من الإمام له هذه الصفات بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.

الثامن عشر: قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) وجه الاستدلال أن هذه إشارة إلى القرآن وفيه متشابه ومجاز فلا بد أن يكون له مبين دلالته معه يقينية وهو في غير المعصوم محال فثبت المعصوم.

التاسع عشر: قوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج) وجه الاستدلال أن نقول أمرنا الله تعالى بالتقوى وهي الاجتناب عن جميع المحرمات والأخذ بما يؤدي إلى الطاعة واجتناب المعصية يقينا وكلما عرض في شئ شبهة تحريم يجتنبه مع اشتمال القرآن على المجمل والمؤول ومع كون الإمام الدال لنا على المراد من التنزيل والتأويل غير معصوم ووجوب طاعته علينا حرج عظيم لعدم حصول اليقين بقوله فلا يحصل لنا التقوى والحرج منفي فلازم كون الإمام غير معصوم وهو الحرج العظيم منفي ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.

العشرون: قوله تعالى: (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) وجه الاستدلال أن تطهير المكلفين من فعل القبايح والمحرمات لا يتم إلا بإمام معصوم يفيد قوله اليقين وإتمام النعمة بحصول النجاة يقينا في الآخرة بفعل جميع الطاعات الواجبة وإظهارها للمكلف يقينا لا يتم إلا بإمام معصوم يفيد قوله اليقين ويعلم من فعله وتركه يقين الصحة ذلك فيجب أن ينصب إمام معصوما في كل زمان وإلا لكان ناقضا غرضه وهو محال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الحادي والعشرون: قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنهم وجعلنا قلوبهم قسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) وجه الاستدلال أن نقول كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات ولا شئ من الإمام له هذه الصفات فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.


الصفحة 385
الثاني والعشرون: قوله تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله: (فاحذروا) وجه الاستدلال أن كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات ولا شئ من الإمام له هذه الصفات بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة والمقدمتان ظاهرتان.

الثالث والعشرون: قوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته) إلى قوله للسحت الآية وجه الاستدلال أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون له هذه الصفات ولا شئ من الإمام له هذه الصفات بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الرابع والعشرون: قوله تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة وحدة) إلى قوله (يختلفون) وجه الاستدلال أنه تعالى امتحن عباده بما آتاهم ليثيب من صبر على الامتحان والتزم بالحق وذلك لا يتم إلا بإمام معصوم لما تقدم تقريره غير مرة فيستحيل خلو الزمان عن إمام معصوم. وأيضا أمر الله عباده بأن يستبقوا إلى الخيرات ولا يلتفتوا إلى الشبهات ولا إلى معارضات الحق ومخلفاته ولا يتم مع اشتمال النص على المتشابه إلا بمن يفيد قوله اليقين ويبين متشابهات النص بحيث لا يكون للمختلفين على الله حجة إذ المكلف إذا خوطب بالمتشابه ولم يحصل له ما يفيده اليقين حتى ظن خلاف الحق لعدم وقوفه على قرينة أو قصور عقله عن تحصيل يقين مع عدم ذلك ولا مفسر للمتشابه يفيد قوله اليقين يكون حجة ظاهرة فلأجل ذلك وجب إمام معصوم يعلم المتشابه والظاهر والمؤول يقينا ويعلمه المكلفين ويدلهم ذلك عليه وهو المطلوب.

الخامس والعشرون: قوله تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وجه الاستدلال أن نقول كل إمام محبوب لله تعالى بالضرورة فإن طاعته مساوية لطاعة الرسول لقوله تعالى: (وأولي الأمر منكم) فكل من لم يطع الإمام لم يطع الرسول وكل من أطاع الرسول أطاع الإمام وبالعكس كليا وكل من أطاع الرسول أحبه الله لقوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله) ولا شئ من المعتدين يحبه الله بالضرورة لأن الجمع المحلي باللام يفيد العموم

الصفحة 386
وصفات الله السلبية واجبة كالإيجابية فلا شئ من الإمام بمعتد بالضرورة فنقول كل غير معصوم معتد بالامكان ولا شئ من الإمام بمعتد بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.

السادس والعشرون: قوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين) وجه الاستدلال أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ولا شئ من الإمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام، أما الصغرى فظاهرة وأما الكبرى فلأن الإمام هاد بالضرورة وكل هاد مهتد بالضرورة ولا شئ ممن لم يهده الله بمهتد لقوله تعالى ومن يهد الله فهو المهتدي، ودخول الألف واللام بعد هو في الموجبة يدل على انحصار المحمول في الموضوع فغيره ليس بمهتد وإلا لم يحصل الحصر هذا خلاف.

السابع والعشرون: قوله تعالى: (ومن أظلم ممن أفترى على الله كذبا) وجه الاستدلال أن كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.

الثامن والعشرون: قوله تعالى (ولكن أكثرهم يجهلون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة لأنه إنما نصب لدفع هذه الصفة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.

التاسع والعشرون: قوله تعالى: (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام.

الثلاثون: قوله تعالى: (وإن تطع) الآية وجه الاستدلال أن نقول كل غير معصوم له هذه الصفات بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفات بالضرورة وإلا لكان ترك نصبه لطفا ونصبه إضلالا فلا شئ من

الصفحة 387
غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الحادي والثلاثون: قوله تعالى: (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) كل غير معصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثاني والثلاثون: قوله تعالى: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) كل غير معصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثالث والثلاثون: قوله تعالى: (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون) كل غير معصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الرابع والثلاثون: قوله تعالى: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) كل غير معصوم يمكن هل هذه الصفة بالضرورة ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.

الخامس والثلاثون: قوله تعالى: (إنه لا يفلح الظالمون) كل غير معصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام المعصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام المعصوم له هذه الصفة بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

السادس والثلاثون: قوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ولا شئ من الإمام المعصوم كذلك بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.


الصفحة 388
السابع والثلاثون: قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصكم به لعلكم تعقلون) كل غير معصوم يمكن أن يفعل ذلك كله فعلى تقدير وقوع هذا الممكن لا يكون عاقلا وكل غير معصوم يمكن أن يكون متصفا بفعل هذه وبعدم العقل ولا شئ من الإمام متصف بشئ من هذه وبعدم العقل بالضرورة إذ الإمام إنما نصب ليمنع المكلف من هذه المؤاخذة عليها فيستحيل اتصافه بها بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثامن والثلاثون: قوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصكم به لعلكم تذكرون) كل إمام له هذه الصفات الضرورية ولا شئ من الإمام غير معصوم ويستلزم كل إمام معصوم لوجود الموضوع.

التاسع والثلاثون: قوله تعالى: (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ولا شئ من الإمام كذلك بالضرورة وهو المطلوب.

الأربعون: قوله تعالى: (قل إنني هدني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما) المراد الهداية إلى الصراط المستقيم من الأقوال والأفعال والتروك وهذا هو العصمة والإمام قائم مقام النبي عليه السلام فيكون له هذه الصفات ليتم المراد منه.

الحادي والأربعون: قوله تعالى: (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة بالضرورة ولا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثاني والأربعون: كل غير معصوم غاو بالامكان ولا شئ من الإمام بغا وبالضرورة لأنه نصب لدفع الغواية فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.


الصفحة 389
الثالث والأربعون: قوله تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الرابع والأربعون: قوله تعالى: (لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) كل غير معصوم كذلك بالامكان ولا شئ من الإمام كذلك بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخامس والأربعون: قوله تعالى: (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ولا شئ من المعصوم كذلك بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

السادس والأربعون: قوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات ولا شئ من الإمام يمكن له هذه الصفات بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

السابع والأربعون: كل غير معصوم لا يعلم كل جزئيات الأحكام بل يحصل بعضها بالاجتهاد المفيد للظن وكل إمام يعلم كل جزئيات الأحكام بالضرورة وإلا لكان قائلا في بعضها على الله ما لا يعلم فيدخل تحت الذم فلا يجوز اتباعه هو مخل بفائدة الإمام فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثامن والأربعون: قوله تعالى: (أن لعنة الله على الظالمين) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة فلا شئ من غير الإمام بمعصوم بالضرورة.

التاسع والأربعون: قوله تعالى: (إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن

الصفحة 390
لا تعلمون) كل غير معصوم له هذه الصفات بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفات بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخمسون: لم يغفر الله للمقلدين المخطئين لأنه لم يقبل عذرهم حيث قالوا ربنا هؤلاء أضلونا ولا شك في أن المقلد إنما يقلد لشبهة أوجبت اعتقاده لصلاحية التقليد وكل غير معصوم يحتمل فيه ذلك فلا بد وأن يكون الإمام معصوما حتى يحصل اليقين ممن يقبل قوله ويعمل به.

الحادي والخمسون: قوله تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) كل غير معصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة وينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثاني والخمسون: قوله تعالى: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) كل غير معصوم يمكن له ذلك ولا شئ من الإمام له ذلك بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثالث والخمسون: قوله تعالى: (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) وجه الاستدلال أن كل مأموم تابع للإمام في أقواله وأفعاله وتروكه لا يتبرأ من أن يجعله الله معه في الآخرة بالضرورة ويتبرأ من أن يجعله مع الظالم بهذه الآية فلا يكون الإمام ظالما بالضرورة وكل غير معصوم فهو ظالم بالامكان فالإمام ليس غير معصوم والموضوع موجود فالإمام معصوم.

الرابع والخمسون: قوله تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) كل غير معصوم له هذه الصفة بالامكان ولا شئ من الإمام له هذه الصفة بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخامس والخمسون: قوله تعالى: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) الآية كل غير معصوم كذلك بالامكان ولا شئ من الإمام كذلك بالضرورة فلا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة.


الصفحة 391
السادس والخمسون: قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركت من السماء والأرض) التقوى لا تتم إلا بإمام معصوم كما تقدم تقريره غير مرة والمعصوم ليس من فعل المكلفين بل من فعل الله تعالى يفعل لطفا بالمعصوم وما يعلمه إلا الله تعالى ولا يتمكن الرعية من فعله ولا من العلم به فلو لم يفعل الله تعالى ما يصير المعصوم به معصوما وينصبه وينص عليه لكان تحريضه على ذلك ينزل منزلة العبث وكان ناقضا لغرضه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

السابع والخمسون: قوله تعالى: (وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات ولا شئ من الإمام يمكن له ذلك بالضرورة لأن الإمام إنما نصب لدفع ذلك فلو أمكن منه ذلك لم يأمن المكلف من امتثال أمره من حصوله في ذلك فلا يجزم بدفعه لذلك ولا يمكن إلا بالعصمة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثامن والخمسون: قوله تعالى: (من يضلل الله فلا هادي له) وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات:

المقدمة الأولى: إن عدم المعلول لعدم علته فعدم العلة هي علة العدم.

المقدمة الثانية: إن الوهم هو سبب الضلال لأنه هو الذي يعارض العقل في كثير من المقدمات وغلبة الشهوات وسببها البعيد القوة الشهوانية فخلق الله تعالى العقل للمكلف بحيث يتمكن المكلف من إبطال قضايا الوهم الباطلة ومقتضى الشهوات والقوى الغضبية قد نراها في كثير من الناس يقهر عقله ويذعن لها أكثر وأعظم وإذا قايسنا المطيع لقواه الشهوية والغضبية والوهمية المرجح لها على القوة العقلية إلى مرجح القوة العقلية وجدنا الأول أكثر من الثاني بأضعاف مضاعفة وكل ذلك سبب عدم العصمة فلو لم يوجد رئيس معصوم يردع المطيع لقوته الشهوية ويلزم كل مكلف في كل وقت بالحق لزم الضلال.


الصفحة 392
المقدمة الثالثة: إن هاد نكرة دخل النفي عليها فيلزم عمومها فينتفي كل هاد.

المقدمة الرابعة: قوله يضلل نكرة في معرض إثبات فلا تقم فيلزم إنه تعالى إن أضل مطلقا لم يكن له هاد لا نبي ولا إمام ولا غيره.

المقدمة الخامسة: قد بينا أن المعصوم من فعله تعالى وهو سبب ركوب طريق الصواب والصحة فلو لم يوجده الله تعالى كان الله تعالى سببا لعدم المعصوم وعدم المعصوم هو سبب الضلال فيلزم أن يكون الله تعالى سببا للضلال تعالى الله وتقدس عن ذلك وإذا تقرر ذلك فنقول لو لم يكن المعصوم موجودا في كل زمان وعصر بحيث لا يخلو وقت منه لزم ضلال المكلفين لتحقق علة ضلالهم ويكون المضل هو الله تعالى فيلزم أن يكون لهم هاد فيلزم انتفاء فائدة البعثة وإمامة غير المعصوم ويلزم أن لا يكون غير المعصوم إماما فتبطل إمامة غير المعصوم وهو المطلوب.

التاسع والخمسون: عدم عصمة الإمام ملزوم للمحال وكل ما هو ملزوم للمحال فهو محال فعدم عصمة الإمام محال أما بيان الملازمة فلأنا قد بينا في الدليل المتقدم أنه متى خلا الزمان من المعصوم بحيث لم يكن معصوم أصلا لزم صدور ذنب من كل واحد من المكلفين فيكون ضالا وقد أضله الله تعالى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومتى أضله لم يهده الله لصدق لا شئ من هاد له لما تقدم من عموم نفي فما له (فلا هادي له) من هاد فلو هداه الله في كل وقت لكان له هاد والموجبة الجزئية تناقض السالبة الكلية وقد صدقت السالبة الكلية فتكذب الموجبة الجزئية فلا يهتدي بالنبي ولا إمام يهديه فتنتفي فائدة البعثة وفائدة نصب الإمام وهذا محال وأما استحالة كل ما استلزم المحال فظاهر.

الستون: كلما انتفى المعصوم انتفى الإمام مطلقا ونفي الإمام مطلقا لا يجوز فنفي المعصوم لا يجوز أما الملازمة فلأنا قد بينا فيما تقدم أن نفي المعصوم يستلزم إضلال الله تعالى لمن يعمل ذنبا فإن لم يوجد من يعمل ذنبا أصلا ثبت

الصفحة 393
المعصوم وهو المطلوب وإن وجد فالله تعالى قد أضله فينتفي عنه كل هاد له لما تقدم من عموم قوله فما له من هاد في زمان من الأزمنة بل ينتفي عنه دائما لأن له نكرة ورد عليه النفي وكل نكرة ورد عليها النفي فهي للعموم فتعم في الأزمان والأشخاص، وأما استحالة اللازم فلما بينا من وجوب نصب الإمام أما عندنا فعقلا وأما عند أهل السنة فشرعا وبالجملة فقد تقدم البرهان على استحالته.

الحادي والستون: قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم) الآية وجه الاستدلال أن المراد من بعث الرسل التبليغ وإليه أشار بقوله تعالى: (يتلوا عليهم آياته ويزكيهم) بتطهير الظاهر بامتثال الأوامر الشرعية والنواهي السمعية والحكمة الخلقية بحيث لا يخل بواجب ولا يفعل قبيحا ثم بتزكية الباطن من الأخلاق الذميمة وتكميل قواهم النظرية بالعلم إلى أن يوصلهم إلى العقل المستفاد فإن امتنع من بعضهم ذلك فالامتناع من المكلف إما من عدم استعداده أو من تفريطه إماما يرجع إلى فعل الواجبات وترك القبائح كلها فكل ما لم يتمكن المكلف منه فليس بمكلف به وكل ما هو مكلف به فامتناعه عنه والإمام قائم مقام النبي ونائب منابه في ذلك كله فلا بد أن يكون فيه هذه الصفات كلها حتى يمكنه أن يؤثر في غير ذلك وذلك هو المعصوم لأنا لا نعني بالعصمة إلا ذلك.

الثاني والستون: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات ولا شئ من الإمام له هذه الصفات بالضرورة فلا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثالث والستون: قوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) وجه الاستدلال من وجوه أحدها إنه تعالى نفى تعذيبهم والنبي فيهم كرامة للنبي عليه السلام فيكون النبي أكرم من أمته كلهم عند الله وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فيكون النبي أتقى كل الأمة وكل الأمة معصومة والأتقى من المعصوم معصوم فيكون

الصفحة 394
النبي معصوما والإمام قائم مقام النبي لأن طاعته مساوية لطاعته كما يشهد به قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سوى بين الطاعتين ولهذا قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) كرر الأمر بالطاعة حيث طاعة النبي وأولي الأمر تابعة لطاعة الله تعالى ثم عطف أولي الأمر على الرسول وجعل الطاعة واحدة فينبغي أن يكون للإمام هذه الكرامة التي للنبي عليه السلام وإلا لزم تخصيص بعض الأمة اللطف الحاصل من النبي دون بعض وهو ترجيح من غير مرجح وهو باطل وإذا كان للإمام هذه المرتبة وهي نفي العذاب ما دام الإمام في أمته فيكون أكرم من كل أمته عند الله تعالى فيكون أتقى الكل وله التقاء المطلق ولا يتحقق ذلك إلا بالعصمة، وثانيها إن الذنب موجب للعذاب ووجود النبي في أمته علة لإسقاطه لأنه مساو للاستغفار كما ذكر الله تعالى في إسقاطه والاستغفار موجب له لأن التوبة موجبة لإسقاط العقاب كما بينا في علم الكلام فكذا مساوية ووجود الإمام مساو لوجود النبي فيلزم أن يكون وجود الإمام فيهم مسقطا للتعذيب فيستحيل من الإمام وجود الذنب كرعيته بالبديهة وثالثها قوله تعالى: (وأنت فيهم) وليس المراد مجرد الوجود في عصرهم لتحقق ذلك في حق الكفار بل المراد وأنتم فيهم مطاع الأمر والنهي وهم متابعون لك في الفعل والترك محتجون بكل حالة من أحواله لا يخالفونه في شئ أصلا والباتة ولا ينفردون بأمر دون أمره ويسلمون إليه في كل أمورهم ويحكمونه تحكيما مطلقا ويرضون بكل ما يحكم به عليهم فإذا امتنع منه الذنب ارتفع موجب العقاب مطلقا فانتفى التعذيب لاستحالة صدور التعذيب منه تعالى بغير ذنب لما تقرر في علم الكلام فلا يتم ذلك إلا بعصمة النبي والإمام مساو للنبي في جميع ما عدا الوساطة لأن النبي يخبر عن الله تعالى لا بوساطة أحد من البشر والإمام يخبر عن الله تعالى بوساطة النبي فهو سيد البشر فيكون معصوما، ورابعها أن الناس ينقسمون بالاعتبار إلى أقسام خمسة:

الأول: ما النبي فيهم وهم الذين يأخذون أحكامهم كلها عن النبي صلى الله عليه وآله ويرضون بحكمه ويسلمون إليه في كل أمورهم ولا

الصفحة 395
يعصون الله ما أمرهم به ولا فيما نهاهم عنه.

الثاني: ما يهملون بعض الفروع مع حفظ الأصول وهم يستغفرون أي يتوبون توبة صحيحة.

الثالث: ما يمتثلون البعض ويهملون البعض ولا يستغفرون.

الرابع: ما يهملون كل الفروع ولا يستغفرون.

الخامس: المخالفون للإيمان والأولان لا يعذبهما الله والأخير مخلدون في النار والثالث والرابع إن حصل عفو من الله تعالى لكرمه العام وجوده الذي لا يتناهى إما ابتداء أو بشفاعة النبي أو أحد الأئمة ومصدرها الكرم لقوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) وقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) فالكل لكرمه تعالى وإلا عذبوا بقدر ما يستحقون على ذنوبهم ثم ادخلوا الجنة بعد ذلك بسبب إيمانهم لأن كل مؤمن يجب له الجنة بإيمانه لكن يعذب المؤمن المستحق للعذاب قبل أن يدخل الجنة ثم يدخل الجنة أخيرا فالإمام عليه السلام مساو للنبي في حصول الغاية في المراتب كلها فلا بد وأن يكون معصوما حتى تتم الغاية به واعترض بأن هذه القضية شخصية فلا يتعدى حكمها إلى غير موضعها وبأنه تعالى علق نفي التعذيب إما بطريق التعليل أو بطريق العلامة على أحد أمرين كونه عليه السلام فيهم واستغفارهم فلا مدخل للإمام فيهم وبأن هذه الآية تدل على نقيض مطلوبكم لأنه تعالى نفى العذاب بكون النبي عليه السلام وباستغفارهم فلا حاجة إلى الإمام وبأن قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم بعد قوله تعالى وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء وائتنا بعذاب أليم، فمن الله تعالى على نبيه بنفي تعذيبهم بما ذكروا حيث هو عليه السلام في البلد الذي هم فيه لأن الله تعالى لما كان ينزل العذاب على الأمم السالفة كان يأمر من كان بينهم من الأنبياء بالخروج من ذلك البلد أو الحالة آلة تحويها كالسفينة فإكراما لمحمد عليه السلام لم ينزل عليهم فالضمير في قوله وأنت فيهم عائد إلى الكفار الذين تقدم قولهم أمطر علينا والجواب عن الأول مسلم

الصفحة 396
إنها شخصية ولم نقس على النبي الإمام بل (قلنا) على النبي لما اتحدت الغاية في بعثة النبي عليه السلام مع الغاية للإمام في معظم أجزائها وعموم نفع ذلك في الأزمان بل لا يتم غاية البعثة إلا بنصب الإمام وكانت الغاية المقصودة من النبي والإمام وهي المشتركة بينهما لا تتم إلا بالعصمة فكل من حصلت تلك الغاية منه وجب فيه العصمة وشاركه فيما ذكرنا من التكريم والتعظيم والإقامة مقامه ومنه يظهر الجواب عن الثاني فإن نفي التعذيب مع وجوده عليه السلام فيهم إما إظهار الكرامة بحيث ينقاد الخلق لطاعته أو لأجل امتثال أوامره ونواهيه كما قررنا أولا يشاركه الإمام على كل واحد من التقديرين فيه لأن طاعته مطلوبة كطاعته بل طاعة لا تحتاج إلى المبالغة في الترغيب فيها والتحذير من مخالفته بقدر ما يحتاج طاعته بل طاعة الإمام تحتاج أكثر وأيضا نقول: ولما بينا مساواة الإمام للنبي في أكثر الغاية المطلوبة منه وهو علة هذا التعليق وإنما يقوم مقامه مع عدمه لم يحتج إلى ذكره بل ذكر النبي كاف عنه وعن الثالث بأنه يستلزم نفي الحاجة إلى الإمام في حال وجود النبي عليه السلام أما بعد وفاته عليه السلام فيحتاج إلى الإمام لأنه هو القائم مقامه واللطف عام لكل الأزمان والأشخاص لأنه تعالى عام الفيض والجود والكلام لا يخص عنايته تعالى بأمة دون أمة ولا بأهل عصر دون عصر وعن الرابع نمنع عود الضمير إلى الكفار القائلين لأنه عليه السلام خارج عنهم وإضمار البلد على خلاف الأصل كما تقرر في الأصول وإن سلمنا لم يقدح في مطلوبنا بل هو أدل عليه ومطلوبنا أولى بالحكم من قولكم لأنه تعالى إذا منع العذاب عن الكفار بسبب وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بلدهم فالمؤمنون الذين هم الصحابة أولى بذلك لأن النبي عليه السلام فيهم حقيقة وفي بلدهم فيشارك الإمام في هذا الحكم لمشاركته إياه في الغاية المطلوبة ونقول بالجملة كل ما دل على عصمة النبي عليه السلام دل على عصمة الإمام من غير فرق.

الرابع والستون: قوله تعالى: (إن الله لا يحب الخائنين) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ولا شئ من الإمام كذلك بالضرورة فلا شئ

الصفحة 397
من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخامس والستون: قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وجه الاستدلال أنه تعالى حكيم رحمته وسعت كل شئ فيستحيل عليه ما ينافي الحكمة ونقض الغرض ينافي الحكمة دائما إذا تقرر ذلك فنقول أرسل رسوله بالهدى ليهدي الخلق وهو بإعلامهم وتبليغ الأوامر والنواهي والإرشاد وما يحل وما يحرم على المكلفين ويحملهم عليه وردع من يجانبه (ويجاوزه) فلا بد وأن يكلفهم الله تعالى باتباع النبي وقبول أوامره ونواهيه والحكمة والرحمة تقتضيان نصب نائب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل كفعله ويقوم مقامه فيما ذكرناه من الله تعالى وإلا لم يتم الغرض من بعثة النبي لأن رحمته لا تختص بأهل عصر دون عصر فإن لم يكن ذلك النائب معصوما جاز منه صدور ضد الغاية وإذا جوز المكلف ذلك لم يحصل له الطمأنينة بأنه يهديه إلى الهدى ودين الحق ولا يحصل له اليقين بقوله لأن كلما أمكن النقيض لم يكون الاعتقاد جازما فلا يحصل العلم وهو نقض الغرض وهو على الله تعالى محال.

السادس والستون: قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) وجه الاستدلال أن نقول الإمام قائم مقام النبي في ذلك فلو لم يكن معصوما لم يحصل للمكلفين الاعتماد عليه لأن قوله لا يفيد إلا الظن والظن لا يغني من الحق شيئا ولم يحصل الغرض بل جاز أن يحصل منه ضد الغرض مما ذكر الله تعالى وهو الحكم بين الناس كما أراه الله وهو محال على الحكيم فيجب كونه معصوما وهو المطلوب.

السابع والستون: قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وجه الاستدلال أنه تعالى أراد من المكلفين الطريقة التي هي أقوم وهي الصواب الذي لا يحتمل غيره ولا يعلم ذلك إلا بتوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من يقوم مقامه وغير المعصوم لا يحصل منه ذلك فيجب أن يكون القائم مقام النبي عليه السلام معصوما وهو المطلوب.


الصفحة 398
الثامن والستون: قوله تعالى: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) وجه الاستدلال أن كثيرا من آيات القرآن والأحاديث مجملة وقد اختلف الآراء في الأحسن منها اختلافا عظيما وليس تقليد أحد من المجتهدين أولى من العكس والجمع بين الكل محال والترك يستلزم العقاب فلا بد من شخص يفيد قوله اليقين في كل زمان بحيث يأخذ أهل ذلك الزمان من قوله ولا يفيد اليقين إلا قول المعصوم فيجب ثبوت المعصوم.

التاسع والستون: قوله تعالى: (وما للظالمين من أنصار) المراد ما يستحقون الأنصار وما يأمر الله بنصرتهم فنقول كل غير معصوم بالفعل ظالم وكل ظالم لا ناصر له بالتفسير المذكور فكل غير معصوم لا ناصر له بالتفسير المذكور وكل إمام له ناصر بالتفسير المذكور فكل غير معصوم ليس بإمام بالضرورة.

السبعون: قال الله تعالى: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار) وجه الاستدلال أن الخبر (الجزاء) المذكور على كل هذه الجملة وعلى كل واحدة منها بإجماع المسلمين والجهاد في زمان النبي وفي كل وقت وزمان فيه كفار أو بغاة أو خوارج أو جهاد على غير ذلك بإجماع المسلمين والإمام قائم مقام النبي عليهما السلام في ذلك فينقطع وقت التكليف بالجهاد وفيه القتال والقتل من الطرفين فيتحقق مع تحققه الجزاء المذكور وتعريض الإنسان لنفسه للقتل وقتله غيره لا يجوز أن يكون بمجرد نظره وأمره وإلا لوقع الهرج في العالم فثبوت ذلك يستلزم ثبوت الإمام وإن لم يكن معصوما لم يحصل الغرض من التكليف بذلك لأن قول غير المعصوم يحتمل الصواب والخطأ فترجيح أحدهما ترجيح من غير مرجح ولا يكفي الظن هنا ولا يجوز أن يعرض نفسه وغيره للقتل إلا ممن يفيد قوله اليقين وهو المعصوم فلا بد في العمل لهذه الآية من المعصوم وتعطيلها لا يجوز فثبت المعصوم.

الحادي والسبعون: قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي

الصفحة 399
خلقكم من نفس وحدة وخلق منها زوجها) الآية وجه الاستدلال أن التقوى هي بعدم إهمال أوامره ونواهيه على سبيل الاحتياط المحصل لليقين وذلك لا يحصل إلا من معصوم قوله يفيد اليقين وهو يعلم بالأحكام يقينا في كل زمان فيجب ثبوت المعصوم في كل زمان والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده فتعين الإمام المعصوم وهو المطلوب.

الثاني والسبعون: قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين).

وجه الاستدلال أن نقول تبعية غير المعصوم يمكن أن يؤدي إلى هذه الأشياء وتبعية الإمام لا تؤدي إلى شئ من هذه الأشياء بالضرورة وإلا لزم أحد أمور ثلاثة: إما نقض الغرض من نصب الإمام أو إفحام الإمام أو قبح التكليف بتبعيته والكل محال أما الملازمة فلأن الله تعالى إما أن لا يكلف المكلفين بامتثال شئ من أوامره ولا نواهيه فيلزم الأول هو ظاهر أو يلزمهم بامتثالها في الكل وهو غير معصوم ويمكن أن يأمر بالقبيح وسفك دماء من لا يستحق كما شوهد وعلم من حكم غير المعصومين وادعائهم الإمامة وتكليف الله تعالى المكلف باتباع مثل هذا ويمكن أن يكون أمره بمعصية الله تعالى وترك واجب أو سفك دم حرمه الله تعالى ويجب الاحتراز عن الضرر المظنون هذا ينافي التقوى فيكون قد أمر الله تعالى بالتقوى وبما ينافي التقوى وهذا قبيح لأنه تكليف بما لا يطاق لأنه جمع بين الضدين فيلزم الأمر الثالث وإن كان تكليفه (أو يكلفه) باتباع ما يعلم صوابه لا ما لا يعلمه صوابا ليحصل التقوى فيلزم إفحام الإمام لأنه إذا قال للمكلف اتبعني يقول له لا أتبعك حتى أعرف صواب فعلك (قولك) وأمرك وأني لا أعلمه ولا طريق إلى علمه في كثير من الأحكام إلا من قولك لوقوع الاجمال في القرآن والسنة فيلزم الدور فينقطع الإمام ويفحم وهو محال.

الثالث والسبعون: قوله تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم) وجه الاستدلال أنه قرر الله تعالى هنا مقدمتين:


الصفحة 400
أحدهما: إنه تعالى عليم بكل معلوم.

والثانية: إنه تعالى حكيم إذا تقرر فنقول هنا مقدمات.

الأولى: جعل ما ليس بسبب سببا غلط لا يصدر من الحكيم.

الثانية: ما يفيد الظن لا يمكن أن يجعل سببا للعلم وإلا لكان قد جعل ما ليس بسبب سببا.

الثالث: إذا أراد الله تعالى شيئا وكان ذلك الشئ موقوفا على أسباب منه تعالى فإن لم يوجدها كان ناقضا لغرضه وهو على الحكيم محال قطعا إذا تقرر ذلك فاعلم أن النبيين إنما يكون بالعلم وهو فيما نحن بصدده كسبي وفي الشرعيات أكثره نقلي ومجملات القرآن وظواهره ومجملات السنة وظواهرها لا يحصل العلم منها فإن لم يجعل الله تعالى إلى العلم الكسبي غيرها فإن جعلها سببا للعلم لزم أحد الأمرين أما عدم علمه تعالى بأنه لا يصلح للسببية وهو باطل:

بالمقدمة الأولى: التي قررها الله تعالى من أنه تعالى علم بكل معلوم وأما أنه فعل ما ليس بسبب سببا مع علمه بذلك وهو محال.

للمقدمة الثانية: التي قررها الله تعالى من أنه حكيم والحكيم يستحيل ذلك منه وإن لم يجعل سببا موضحا فذلك استحالة.

للمقدمة الثالثة: فلا بد من سبب آخر ثم نقول أمر بطاعة الرسول وأولي الأمر ولم يجعل غيرهما ومن الرسول يحصل الأصل لمن في زمانه فيكون في غير زمانه يحصل من أولي الأمر إذ لم يجعل سببا غيرهما اتفاقا وقول غير المعصوم وفعله لا يحصل منهما العلم فلو كان النبي والإمام غير معصومين أو أحدهما غير معصوم لزم أحد الأمرين إما جعل ما ليس سببا أو عدم جعل سبب وكلاهما قد مر استحالته فيجب أن يكون الإمام معصوما وهو المطلوب.

الرابع والسبعون: إن الإمام مقيم للحدود والأحكام العامة كالأمر

الصفحة 401
بالمعروف والنهي عن المنكر منوطة بقوله وأمره ولا يجوز مخالفته فيها وكل من كان كذلك فهو يجب أن يكون معصوما، أما الصغرى فإجماعية ولاستحالة جعلها مفوضة بغير الرئيس العام أما الثانية فلأنها أمور كلية يتعلق بها الدماء وإراقتها وانتظام الدعوى والكل مبني على الاحتياط التام لا يجوز أن يجعل إلى غير المعصوم فإنه قد شوهد خبط غير المعصوم فيها وإجراؤها منه على غير سنن الشرع ثم المكلف الذي يبذل نفسه للجهاد والقتل إن لم يتيقن الثواب في فعله حصل له خوف فلا يجوز له الإقدام فيبطل ذلك كله ولأن نظام النوع على الوجه الأليق وعلى سنن الشرع لا يحصل من غير المعصوم غالبا بل حصوله من غير المعصوم محال فيجب أن يكون الإمام معصوما وهو المطلوب.

الخامس والسبعون: لو لم يجب أن يكون الإمام معصوما لم يجب الإمام والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه إنما يجب الإمام لأن المأموم غير معصوم فيجوز عليه الخطأ فلو كان الإمام غير معصوم لجاز عليه الخطأ فإذا لم يكن الإمام معصوما جاز خلو التكليف مع عدم عصمة المكلف من الإمام كما في الإمام نفسه فلا يجب لغيره وإلا لزم الترجيح من غير مرجح.

السادس والسبعون: لو لم يجب أن يكون الإمام معصوما لامتنع نصب الإمام والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه إذا كان جواز خطأ المكلف على نفسه يوجب نصب الإمام فعدم عصمة الإمام يقتضي امتناع تحكيمه وامتناع إيجاب طاعته لجواز خطيئته وإراقة الدماء منه لأنه زيادة في الأقدار فلو لم يجب أن يكون الإمام معصوما لوجب عدم نصبه ويمتنع الأمر بامتثال أوامره مطلقا فيجتمع الضدان ويخرج الإمام عن فائدته.

السابع والسبعون: قوله تعالى: (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم) أقول وجه الاستدلال أن جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق ولا يوصل إلى الحق إلا العلم لقوله تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) وقول غير المعصوم لا يفيد العلم بل الظن ودلالة الظاهر لا تفيد إلا الظن فلو لم يكن الإمام معصوما لم يكن لنا طريق إلى الوصول إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وهو ينافي فائدة