الصفحة 320

الباب الحادي والخمسون
في توحيد الله تعالى


قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ القول بأنّ الله تعالى واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها يجوزان على الله، ووجهان لا يجوزان، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد، يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز على الله تعالى، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد. أما ترى انّ الله تعالى كفّر من قال ثالث ثلاثة، وكذا قول القائل: واحد، يريد النوع من الجنس، فهذا لا يجوز عليه لأنّه تشبيه، تعالى الله عن ذلك [علوّاً كبيراً](1).

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان له، فقول القائل: هو واحد يعني ليس في الأشياء له مثل ولا شبه(2)، وكذا قول القائل انّه واحد بمعنى انّه أحديّ المعنى، أي لا ينقسم في عقل ولا وجود ولا وهم(3).

وقال رجل للصادق جعفر بن محمد عليه السلام: أيّ شيء تعبد؟ فقال: الله،

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ج": مثيل ولا شبيه.

3- التوحيد للصدوق: 83 ح3; ومعاني الأخبار: 5 ح1; والبحار 3: 206 ح1.


الصفحة 321
فقال: هل رأيته؟ فقال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ورأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس، ولا يشبّه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلاّ هو ربّي عليه توكّلت وإليه اُنيب(1).

وقال له رجل: يا أبا عبد الله أخبرني عن الله متى كان، فقال له: ويلكأخبرني أنت عن الله متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان(2).

وقال له آخر: لم يزل الله تعالى يعلم ويسمع ويبصر؟ فقال: ذات الله تعالى علامة سميعة بصيرة(3)(4).

وسأله رجل فقال: قوله تعالى: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}(5) ما هذا الغضب؟ فقال: العقاب، يا هذا من زعم انّ الله زال من شيء إلى شيء فقد وصفه بصفة المخلوق، وإنّ الله تعالى لا يغيّره شيء ولا يشبهه شيء، وكلّما وقع في الوهم فهو بخلافه(6).

وقال ذعلب اليماني لأمير المؤمنين عليه السلام: هل رأيت ربّك؟ فقال له: أفأعبد من لا أراه، فقال: فكيف تراه؟ قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، قريب من الأشياء من غير ملامسة، بعيد منها من غير مباينة، متكلّم بلا رؤية، مريد بلا همّة، صانع بلا حاجة.

لطيف لا يوصف بالخفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنوا الوجوه لعظمته، وتوجل القلوب من مخافته، الذي لم يسبق له حال حالا، فيكون أوّلا قبل أن يكون آخراً، ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً.

____________

1- التوحيد للصدوق: 108 ح5; عنه البحار 4: 26 ح1 عن أبي جعفر عليه السلام.

2- التوحيد للصدوق: 173 ح1; الاحتجاج 2: 166 ح194; عنه البحار 3: 284 ح3.

3- في "ب": علامة لسمعه وبصره.

4- التوحيد للصدوق: 139 ضمن حديث 2; عنه البحار 4: 72 ضمن حديث 19.

5- طه: 81.

6- التوحيد للصدوق: 168 ح1; عنه البحار 4: 64 ح5 باختلاف.


الصفحة 322
كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل، وكلّ عزيز غيره ذليل، وكلّ قويّ غيره ضعيف، وكلّ مالك غيره مملوك، وكلّ عالم غيره متعلّم، وكلّ قادر غيره عاجز، وكلّ سميع غيره أصمّ عن لطيف الأصوات ويصمّه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان ولطيف الأجسام، وكلّ ظاهر غيره غير باطن، وكلّ باطن غيره غير ظاهر.

لم يخلق ما خلقه لتسديد سلطان، ولا تخوّف من عواقب زمان، ولا استعانة على يد مشاور، ولا شريك مكاثر، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون وعباد آخرون، لم يحلل في الأشياء فيقال: هو فيها كائن، ولا بنآء عنها فيقال: هو منها بائن.

لم يؤده خلق ما خلق، ولا تدبير ما برأ وذرأ، ولا وقف به عجز ممّا خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدّر وقضى، بل قضاءٌ متين(1)، وعلم محكم، وأمر مبرم، المأمون من النقم، المرهوب مع النعم(2).

وقال له آخر: أخبرنا يا أمير المؤمنين بما عرفت ربّك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهمم، لما هممت فحال بيني وبين همّي، وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت انّ المدبّر لي غيري.

قال: فيما ذا شكرت نعماه؟ قال: نظرت إلى بلاء قد صرفه عنّي وبلى به غيري، واحسان شملني به، فعلمت أن قد أحسن إليّ وأنعم عليّ فشكرته، قال: فيما ذا أحببت لقاءه؟ قال: رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله، فعلمت انّه قد أكرمني واختار لي دار كرامته، فاشتقت إلى لقائه(3).

____________

1- في "ب": و "ج": متقت.

2- نهج البلاغة: الخطبة 65; وفي أعلام الدين: 65.

3- التوحيد للصدوق: 288 ح6; الخصال: 33 ح1 باب 2; عنه البحار 3: 42 ح17.


الصفحة 323
وقال عليه السلام: من عبد الله بالوهم أن يكون صورة أو جسماً فقد كفر، ومن عبد الاسم دون المعنى فقد عبد غير الله، ومن عبد المعنى دون الاسم فقد دلّ على غائب، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين، ومن عبد المعنى بوقوع الاسم عليه فعقد به قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته فذلك ديني ودين آبائي(1).

وبالاسناد إلى الصادق عليه السلام انّ رجلا سأله فقال: يا ابن رسول الله دلّني على الله ما هو فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني، فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم، قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم.

قال: فهل تعلّق قلبك هنالك انّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال: نعم، قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله تعالى، القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث(2).

وجاء في تفسير قوله تعالى: {وما قدروا الله حقّ قدره}(3) أي ما عرفوه حقّ معرفته، ولا عظّموه حقّ عظمته، ولا عبدوه حقّ عبادته.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لولده الحسن عليه السلام: إنّ ربّك أعظم أن يثبت ربوبيّته باحاطة سمع أو بصر(4).

وكان عليه السلام إذا بالغ في التحميد يقول: سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة دون الوصول إليه، وتبارك من إذا عرفت الفطن في تكيّفه لم يكن لها طريق إليه غير الدلالة عليه، وكفى قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو

____________

1- البحار 4: 165 ح7 عن توحيد الصدوق، باختلاف; وأورده المصنّف رحمه الله في كتابه أعلام الدين: 67.

2- معاني الأخبار: 4 باب معنى الله عزوجل; عنه البحار 3: 41 ح16.

3- الأنعام: 91.

4- نهج البلاغة: الكتاب 31; البحار 4: 317 ح41.


الصفحة 324
السميع البصير}(1).

قال مصنّف الكتاب رحمة الله عليه: دواء القلوب في سبعة أشياء: التفكّر في طريق السلامة، وتدبر أدلّة العقل، وترك الهوى، وقراءة القرآن المجيد بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع في السحر، ومجالسة العلماء الصالحين.

ومن ألزم نفسه آداب الكتاب العزيز، والعلم بمعانيه، والعمل به وبسنّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله، وسنن الأئمة من أهل بيته عليهم السلام نوّر الله قلبه بنور الايمان، ومكّن له بالبرهان، وجعل وجهه وفعله وقوله شاهد الحق، كما قال بعضهم [ممثّلا في ذلك](2):


وقَلَّ مَنْ ضمنَتْ خيراً طويّتُهُإلاّ وفي وجهِهِ للخَير عُنوانُ

وقال النبي صلى الله عليه وآله: إنّ من دعامة البيت أساسه، ودعامة الدينالمعرفة بالله تعالى واليقين بتوحيده والعقل القامع، فقالوا: وما العقل القامع يا رسول الله؟ قال: الكف عن المعاصي، والحرص على طاعة الله، والشكر على جميل(3)احسانه وانعامه وحسن بلائه.

ومن علامات المعرفة بالله شدّة الخوف منه والهيبة له، قال الله تعالى: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء}(4) وذلك لمشاهدتهم له في أسرار قلوبهم، ومعرفتهم انّه تعالى مشاهد لهم، كما قال تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم}(5).

فكلّما ازدادت معرفة العبد لربّه ازدادت مخافته منه ومهابته له، وكذلك أعرف أعوان السلطان به أهيبهم له وأخوفهم منه، ومثال ذلك مثال رجلين دخلا

____________

1- الشورى: 11.

2- أثبتناه من "ب".

3- في "ب": جميع.

4- فاطر: 28.

5- الحديد: 4.


الصفحة 325
داراً عرف أحدهما انّ المالك واقف على بعضها(1) يشرف عليه، فأحسن أدبه ولم يحدث أمراً مستنكراً، والآخر لم يعرف اشرافه عليه فأساء أدبه، وفعل ما لا يليق أن يفعل بحضرة المالك.

وكذلك العارف بالله، فإنّه مشاهده في كلّ حالاته وأسراره، فهو معه متأدّب ومنه خائف وله مراقب، والجاهل بالله خارج من هذه الحالة، راكب للجهالة، ولهذا نقول: إن كان العاصي حين يواقع المعصية يعتقد انّ الله تعالى يراه فإنّه لجاهل حيث جعله أهون الناظرين، وإن كان يعتقد انّه لا يراه فإنّه لكافر، فكلا الأمرين خطر عظيم واثم جسيم، ولا شك انّ المعرفة توجب الخوف والحياء.

ومن علامات العارف أن يكون خاطره فارغاً من علق الدنيا ومهامّها، مشغولا بأخطار الآخرة وأهوالها، والعارف لا يأسف على شيء فات إلاّ على ما فات من ذكر الله، فإنّه أبداً لا يرى إلاّ الله فلا يأسف على شيء مع الله، لأنّه يرى ما سوى الله بعين الفناء والزوال فكيف ينظر إلى شيء فان زائل، كما قال تعالى: {كلّ شيء هالك إلاّ وجهه}(2) يعني إلاّ ذاته سبحانه.

والعارف لا يخرج من الدنيا متأسّفاً إلاّ على قلّة بكائه على ذنبه وتقصيره في ثنائه على ربّه، ولكلّ شيء ثمرة وثمرة المعرفة الهيبة والمخافة والانس، ولكلّ شيء عقوبة وعقوبة العارف فتوره عن الذكر وغفلته عن الفكر، ومن علامات المعرفة شدّة المحبّة لله، وإذا اشتدّت محبّة العارف بالله كان الله له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيّداً.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انّ الله إذا أحبّ عبداً قال لجبرئيل: إنّي اُحبّ فلاناً فأحبّوه(3)، ويوضع له القبول في الأرض، والمحبّة حالة شريفة كما أثنى

____________

1- في "ب" و "ج": بابها.

2- القصص: 88.

3- البحار 71: 372 ح5 عن نوادر الراوندي، نحوه.


الصفحة 326
الله تعالى بها على قوم فقال: {فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه}(1) ومحبّة الله للعبيد سبوغ نعمه عليهم في الدنيا مع طاعتهم له، واثابته لهم في الآخرة.

وأمّا انعامه على الكفّار والعصاة فإنّما هو املاء لهم واستدراج لم يصدر عن محبّة، كما قال تعالى: {ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا اثماً}(2).

وقال سبحانه: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}(3).

وقال سبحانه: {أيحسبون انّما نمدّهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}(4).

ومحبّة الله تعالى لأهل طاعته ارادة نفعهم وثوابهم، وتسمّى هذه المحبّة رحمة منه وثناء على العبيد، كما انّ ذمّه لمن غضب عليه بغض له، ولقد ذهب المحبّون لله تعالى بشرف الدنيا والآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وآله: المرء مع من أحبّ(5)، وأيّ منزلة أشرف، ودرجة أعلى ممّن يكون مع الله؟! وليس بصادق من ادّعى محبّة الله ولم يحفظ حدوده.

ومن علامات محبّة العبد لله تعالى أن لا ينسى ذكره، وذلك انّ من أحبّ حبيباً تولّه بذكره يقظة ومناماً، ولقد أحسن من قال:


عجبت لمن يقول ذكرت ربّيوهل أنسى فأذكر اذ(6) نسيت
شربت الحبّ كأساً بعد كأسفما نفذ الشراب وما رويت

وإذا تردّد العبد بين الشوق إلى لقاء الله تعالى وبين البقاء رغبة في عبادته،

____________

1- المائدة: 54.

2- آل عمران: 178.

3- الأعراف: 182.

4- المؤمنون: 55-56.

5- أمالي الطوسي: 621 ح17 مجلس 29; عنه البحار 68: 70 ح128.

6- في "ب": إن.


الصفحة 327
يوكّل الأمر إلى الله ويقول: يا ربّ اختر لي أحد الأمرين إليك.

وروي انّ داود عليه السلام خرج مصحراً متفرّداً، فأوحى الله إليه: يا داود ما لي أراك وحدانياً؟ فقال: الهي اشتدّ الشوق منّي إلى لقائك فحال بيني وبينك خلقك، فأوحى الله إليه: ارجع إليهم فإنّك إن تأتيني بعبد آبق اُثبتك في اللوح حميداً(1)(2).

وينبغي أن يكون يتمنّى الموت في حالة الراحة والنعمة والعافية، كيوسف لمّا اُلقي في الجبّ لم يقل توفّني، ولا في السجن قال توفّني، فلمّا دخل عليه أبواه وخرّوا له سجّداً، وكان أعظم مسرّة بلقاء الأحبّة، وتمام الملك وكمال النعمة قال: توفّني مسلماً.

وروي انّ شعيباً عليه السلام بكى حتّى عمي، فردّ الله تعالى عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي، فردّ الله عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي فردّ الله تعالى عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي فأوحى الله إليه: يا شعيب إن كان هذا البكاء لأجل الجنّة فقد أبحتها لك، وإن كان من أجل النار فقد حرّمتها عليك. فقال: لا بل شوقاً إليك، فقال الله تعالى: لأجل هذا أخدمتك كليمي موسى عشر سنين، ومن اشتاق إلى الله اشتاق إليه كلّ شيء(3).

وروي انّ الله تعالى أنزل في بعض كتبه: عبدي أنا وحقّي لك محبّ، فبحقّي عليك كن لي محبّاً.

والمحبّة تهيّج الشوق إلى لقاء الله تعالى، وتبعث على العمل الصالح لقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً}(4).

____________

1- في "ج": جميلا.

2- عنه البحار 14: 40 ح26.

3- البحار 12: 380 ح1 عن علل الشرائع، بتفصيل أكثر.

4- الكهف: 110.


الصفحة 328
وممّا يستدلّ به على معرفة الله تعالى أيضاً انّه لابدّ للعالم من صانع لأنّه لا يجوز أن يجتمع ألواح السفينة ومساميرها وقيرها مع بعضها ببعض بغير جامع ولا مؤلّف، ولا تعبر الناس فيها بغير ملاّح ولا معبر ولا مدبّر لها، ولا تمتلئ السفينة من نفسها متاعاً ثمّ تصعد وتنحدر في البلاد من غير مدبّر لها.

وإذا كان ذلك مستحيلا في العقول كان ذلك في وجود هذا العالم العظيم أشدّ امتناعاً، وما رأينا أيضاً دولاباً يدور بغير مدير، ولا رحاً تطحن بغير طاحن، ولا سراجاً بغير مسرج، فأيّ سراج أعظم من نور الشمس والقمر يضيئان لأهل السماوات والأرض، وأهل المشارق والمغارب.

وأيّ دولاب أعظم من هذه الأفلاك التي تقطع في اليوم الواحد والليلة الواحدة اُلوفاً من السنين بشمسها وقمرها ونجومها، تراها عياناً من غير مخبر يخبرك عنها، كما قال تعالى: {رفع السماوات بغير عمد ترونها}(1) وأشار بذلك إلى أنّها آية عظيمة تدلّ على عظم صانعها، ومحكم تدبيره، وواسع قدرته.

وقال تعالى: {أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت}(2).

وقال تعالى: {إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لاُولي الألباب}(3) والآيات في ذلك كثيرة، ولابدّ لها من صانع ومدبّر حكيم، فتفكّروا واعتبروا تجدوا دلالات توحيده أضوأ من الشمس، وأنور من القمر.

وكلّ من وصفه بتحديد فهو ملحد، ومن أشار إليه في جهة فهو كافر، ومن تصوّره فهو ضالّ، ومن شبّهه فهو جاحد، وكلّما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه

____________

1- الرعد: 2.

2- الغاشية: 17-20.

3- آل عمران: 190.


الصفحة 329
ممثلا في نفوسكم، ومصوّراً في أذهانكم فهو محدث مصنوع مثلكم، فالعارف به هو الموحد له برفع هذه الأسباب المستحيلة عليه.

وممّا يستدلّ به على توحيد الله تعالى وعظم قدرته أمر الفيل وأصحابه، الذين أخبر الله تعالى عنهم وما أصابهم ممّا ليس لأحد فيه حيلة بوجه من الوجوه، ولا إلى انكاره سبيل لاشتهاره، فإنّه لا يجوز أن يقول النبي صلى الله عليه وآله لقريش في وجوههم مع كثرة عنادهم، وردّهم عليه: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل} وقصّ عليهم قصصهم وما نزل بهم من العذاب، إلاّ بعد أن رأوها وشاهدها كثير منهم.

وليس من الطبائع والعادات التي تحتج بها الملاحدة ما يوجب قصة أصحاب الفيل، ولا علم في العادات قبلها، ولا وقع في الآثار نظيرها، وهو أن يجيء طير كثير وفي منقار كلّ واحد حجر يرسله على رأس كلّ واحد من مائة ألف، فيخرج من دبره حتّى يعود كالعصف المأكول.

وكذلك كان في كلّ رِجْل من أَرْجُلِ الطير حجر يلقيه على رأس كلّ واحد من أصحاب الفيل فيخرج من دبره، فيهلكهم جميعاً دون أهل الأرض، وهذا لا يكون إلاّ من صانع حكيم عظيم، وليس ذلك إلاّ من ربّ العالمين جلّ جلاله، وتقدّست أسماؤه، ولا إله إلاّ هو الرحمن الرحيم.


الصفحة 330

الباب الثاني والخمسون
في أخبار عن النبي والأئمة عليهم السلام


من كتاب ورام عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لأهل الجنّة أربع علامات: وجه منبسط، ولسان منطلق(1)، وقلب رحيم، ويد معطية(2).

وعنه عليه السلام يقول: المؤمن أكرم على الله أن يمر عليه أربعون يوماً لا يمحّصه الله تعالى فيها من ذنوبه، وإنّ الخدش والعثرة وانقطاع الشسع واختلاج العين وأشباه ذلك ليمحّص به وليّنا من ذنوبه، وأن يغتمّ لا يدري ما وجهه، فأمّا الحمّى فإنّ أبي حدّثني عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حمّى ليلة كفارة سنة(3).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: السلطان [العادل](4) ظلّ الله في الأرض، يأوي إليه كلّ مظلوم، فمن عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر، ومن

____________

1- في "ج": فصيح لطيف.

2- مجموعة ورام 1: 91.

3- أمالي الطوسي: 630 ح11 مجلس 30; عنه البحار 81: 187 ح44.

4- أثبتناه من "ب" و "ج".


الصفحة 331
جار كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر حتّى يأتيهم الأمر(1).

وعنه صلى الله عليه وآله: إنّ في جهنّم وادياً يستغيث أهل النار كلّ يوم سبعين ألف مرّة منه، وفي ذلك الوادي بيت من النار، وفي ذلك البيت جب من النار، وفي ذلك الجب تابوت من النار، وفي ذلك التابوت حية لها ألف ناب، كلّ ناب ألف ذراع، قال أنس: قلت: يا رسول الله لمن يكون هذا العذاب؟ قال: لشارب الخمر من أهل القرآن، وتارك الصلاة(2).

وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: جاءني جبرئيل عليه السلام متغيّر اللون، فقلت: يا جبرئيل ما لي أراك متغيّر اللون؟ قال: اطلعت في النار فرأيت وادياً في جهنّم يغلي، فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال: لثلاثة نفر، للمحتكرين(3)، والمدمنين الخمر، والقوّادين(4).

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعدائي؟ فيقول جبرئيل: يا ربّ أعداؤك كثير فأيّ أعداؤك؟ فيقول عزوجل: أين أصحاب الخمر، أين الذين كانوا يبيتون سكارى، أين الذين كانوا يستحلّون فروج المحارم، فيقرنهم مع الشياطين(5).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيّما امرأة رضيت بتزويج فاسق فهي منافقة وجلست في النار، وإذا ماتت فتح لها في قبرها سبعون باباً من العذاب، وإن قالت: "لا إله إلاّ الله" لعنها كلّ ملك بين السماء والأرض، وغضب الله عليها في الدنيا والآخرة، وكتب عليها في كلّ يوم وليلة سبعين خطيئة.

____________

1- أمالي الطوسي: 634 ح9 مجلس 31; عنه البحار 75: 345 ح69.

2- عنه الوسائل 4: 838 ح9; ومعالم الزلفى: 337.

3- في "ب": للمتكبّرين.

4- عنه الوسائل 12: 314 ح11; ومعالم الزلفى: 337.

5- عنه معالم الزلفى: 247.


الصفحة 332
وقال صلى الله عليه وآله: من زوّج كريمته بفاسق نزل عليه كلّ يوم ألف لعنة، ولا يصعد له عمل إلى السماء، ولا يستجاب دعاؤه، ولا يقبل منه صرف ولا عدل(1).

وقال صلى الله عليه وآله: أيّما امرأة وهبت صداقها لزوجها، فلها بكلّ مثقال ذهب كأجر عتق رقبة(2).

وقال صلى الله عليه وآله: أيّما امرأة كتمت سرّ زوجها، فلم تطلع عليه أحداًفهي في درجات الحور العين، فإن كان غير طاعة الله فلا يحلّ لها أن تكتم(3).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من شهد نكاح امرأة مسلمة كان خائضاً في رحمة الله تعالى، وله ثواب ألف شهيد، وله بكلّ خطوة يخطوها ثواب نبيّ، وكتب الله تعالى له بكلّ كلمة يتكلّمها عبادة سنة، ولا يرجع إلاّ مغفوراً. ومن سعى فيما بينهما وكان دليلا أعطاه الله بكلّ شعرة على بدنه مدينة في الجنّة، وزوّجه ألف حوراء، وكأنّما اشترى أسرى اُمّة محمد صلى الله عليه وآله وأعتقهم، وإن مات ذاهباً أو جائياً مات شهيداً(4).

وقال عليه السلام: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه خمر أو دفّ أو طنبور أو نرد، ولا يستجاب دعاؤهم، ويرفع الله عنهم البركة(5).

وقال عليه السلام: أيّما امرأة أطاعت زوجها وهو شارب الخمر، كان لها من الخطايا بعدد نجوم السماء، وكلّ مولود تلد منه فهو نجس، ولا يقبل الله تعالى منها صرفاً ولا عدلا حتّى يموت زوجها، أو تخلع عنه نفسها.

____________

1- عنه مستدرك الوسائل 5: 279 ح5852.

2- عنه الوسائل 15: 36 ح2 باب 26.

3- عنه معالم الزلفى: 321.

4- عنه معالم الزلفى: 321.

5- عنه الوسائل 12: 235 ح13 باب 100; ومستدرك الوسائل 5: 279 ح5853.


الصفحة 333
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح، وأيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة، تدخل منها أيّها(1) شاءت(2).

وقال عليه السلام: من ضرب امرأة بغير حق فأنا خصمه يوم القيامة، لا تضربوا نساءكم فمن ضربهنّ بغير حق فقد عصى الله ورسول الله.

وقال عليه السلام: من تزوّج امرأة لجمالها جعل الله جمالها وبالا عليه(3).

وقال عليه السلام: ما من امرأة تسقى زوجها شربة ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها، وبنى الله لها بكلّ شربة تسقى زوجها مدينة في الجنّة، وغفر لها ستين(4) خطيئة(5).

وقال عليه السلام: ثلاث من النساء يرفع الله عنهم عذاب القبر، ويكون محشرهنّ مع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله: أيّما امرأة صبرت على غيرة زوجها، وامرأة صبرت على سوء خلق زوجها، وامرأة وهبت صداقها لزوجها، يعطى الله تعالى لكلّ واحدة منهنّ ثواب ألف شهيد، ويكتب لكلّ واحدة منهنّ عبادة سنة(6).

وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ردّ عادية ماء أو عادية نار فله الجنّة البتة(7).

وعنه عليه السلام: ما من أحد مرّ بمقبرة إلاّ وأهل القبور(8) يقولون: يا غافل

____________

1- في "ب": من أيّ باب شاءت.

2- عنه الوسائل 14: 123 ح2 باب 89; ومعالم الزلفى: 321.

3- عنه الوسائل 14: 32 ح11 باب 14.

4- سبعين. خ ل.

5- عنه الوسائل 14: 123 ح3 باب 89; ومعالم الزلفى: 321.

6- عنه الوسائل 15: 37 ح3 باب 26; ومعالم الزلفى: 321.

7- الكافي 2: 164 ح8; مشكاة الأنوار: 182 في محاسن الأفعال.

8- في "ب" و "ج": المقبرة.


الصفحة 334
لو علمت ما نعلم لذاب لحمك عن جسدك(1).

وقال عليه السلام: من ضحك على جنازة أهانه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق، ولا يستجاب دعاؤه، ومن ضحك في المقبرة رجع وعليه من الوزر مثل جبل اُحد، ومن ترحّم عليهم نجى من النار(2).

وقال عليه السلام: إذا تصدّق الرجل بنيّة الميّت أمر الله تعالى جبرئيل عليه السلام أن يحمل إلى قبره سبعين ألف ملك، في يد كلّ ملك طبق من نور، فيحملون إلى قبره ويقولون: السلام عليك يا وليّ الله، هذه هدية فلان بن فلان إليك فيتلألأ قبره، وأعطاه الله ألف مدينة، وزوّجه ألف حوراء، وألبسه ألف حلّة، وقضى له ألف حاجة(3).

وقال عليه السلام: إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور جعل الله تعالى له من كلّ حرف ملكاً يسبّح له إلى يوم القيامة(4).

وقال عليه السلام: إذا مات شارب الخمر عرج بروحه إلى السماء السابعةومعه الحفظة يقولون: ربّنا عبدك فلان مات وهو سكران، فيقول الله تعالى: ارجعا إلى قبره والعناه إلى يوم القيامة، وإذا مات وليّ الله عرج بروحه إلى السماء السابعة والحفظة معه فيقولون: ربّنا عبدك فلان مات، فيقول الله عزوجل: ارجعا إلى قبره، واكتبا له الحسنات(5) إلى يوم القيامة(6).

وقال عليه السلام: من مات وميراثه الدفاتر والمحابر وجبت له الجنّة(7).

____________

1- في "ج": جسمك.

2- عنه الوسائل 2: 886 ح5 باب 63; والبحار 81: 264 ح18.

3- عنه الوسائل 2: 656 ح9 باب 28; والبحار 82: 63 ح7; معالم الزلفى: 321.

4- عنه الوسائل 2: 862 ح4 باب 34; والبحار 82: 63 ح7.

5- في "ج": استغفرا له.

6- معالم الزلفى: 35.

7- معالم الزلفى: 321.


الصفحة 335
وقال عليه السلام: لا تسبوا الدنيا فنعم المطيّة للمؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر، انّه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربّه(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زنا بامرأة خرج من الايمان، ومن شرب الخمر خرج من الايمان، ومن أفطر يوماً من شهر رمضان خرج من الايمان(2).

وعن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله عليه السلام، فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية: {الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش}(3) وأمسك، فقال له أبو عبد الله: ما أسكتك(4)؟ فقال: احبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل.

فقال: نعم، يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله عزوجل، قال الله تعالى: {من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة}(5) وبعده اليأس من روح الله عزوجل، قال الله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله انّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون}(6).

ثمّ الأمن لمكر الله عزوجل، قال الله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون}(7) يعني يجازيهم بمكرهم له، ومنها عقوق الوالدين، لأنّ الله تعالى جعل العاق جباراً شقيّاً، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحق، قال تعالى: {فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً}(8).

____________

1- عنه الوسائل 5: 161 ح4 باب 16.

2- الكافي 2: 278 ح5; عنه البحار 69: 197 ح13.

3- الشورى: 37.

4- في "ب": أمسكك.

5- المائدة: 72.

6- يوسف: 87.

7- الأعراف: 99.

8- النساء: 93.