الصفحة 275
كان قوله وفعله حجة كان معصوما، أما الصغرى فاجماعية ولتساوي القدرة والمانع، وأما الكبرى فلأن كل من كان قوله وفعله حجة دائما فإما أن يكون التكليف بها في نفس الأمر أولا والأول المطلوب - والثاني - إما أن يكون مكلفا بضدها أولا والثاني محال إذ الثاني يستلزم عدم التكليف والأول يستلزم التكليف بالضدين وقد بينا أن الإمام قوله وفعله حجة فيكون معصوما.

الرابع والستون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم أحد الأمرين إما حسن خلو المكلف عن التكليف أو الأمر بالتبيين من غير مبين والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وإذا كان الإمام ليس معصوما جاز أن يفسق وجاز أن يعلم واحدا واحدا من المكلفين بفسقه لكنه هو المبين للمجمل والأحكام فإذا أخبر بخبر وجب عدم القبول والتبيين ولا مبين إلا هو فإما أن يخلو المكلف في تلك الواقعة عن التكليف فيلزم الأول أو لا يخلو فيلزم الثاني.

الخامس والستون: صدور الذنب موجب لعدم قبول قوله والإمامة موجبة لقبول قوله وإلا انتفت فائدته وتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات وثبوت أحد المتنافيين يوجب امتناع الآخر حال ثبوته فيلزم امتناع الذنب ما دامت الإمامة.

السادس والستون: الإمام قوله حجة والشئ من الذنب قوله حجة، أما الصغرى فلأن الإمامة مبنية على ذلك وإلا لم ينتظم أمر الجهاد وإلا انتفت فائدة الإمام وأما الكبرى فللآية.

السابع والستون:

كلما كان الذنب موجبا لعدم قبول قوله عندنا كان الجزم بقوله مشروطا بالعلم بعدم الذنب فإن العلم بالمشروط مشروط بالعلم بالشرط فيلزم أن لا يجزم بقول الإمام فينتفي فائدة نصبه.

الثامن والستون: قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) جعل صدور الذنب موجبا لعدم قبول القول فإما لاستلزامه الكذب أو لسقوط محله أو لعدم رجحان صدقه حينئذ فإذا لم يكن معصوما أمكن صدور الملزوم منه

الصفحة 276
امكانا قريبا لوجود القدرة والداعي وهو الشهوة وعدم الوفاء الصارف بتمام المانعية فيمكن اللازم حينئذ ومتى جوز المكلف عدم وجوب طاعته وتردد فيها وجوزان يكون خالف الله تعالى في شئ بأن أمر بالمنهي عنه ونهي عن المأمور به فإنه لا يحصل له داع إلى طاعته وتنتفي فائدته.

التاسع والستون: فعل المعصية مناف لجواز قبول قوله وكل ما ينافي جواز قبول قوله كان ممتنعا على الإمام حين الإمامة فيلزم امتناع المعصية عليه، أما الصغرى فللآية وأما الكبرى فلأنه لو جوز المكلف أن يصدر منه ما يمنع جواز قبول قوله بحيث يكون قبول قوله منهيا عنه ولا طريق إلى العلم بتمييز أحد الوقنين عن الأخر فإنه يمنع ذلك عن طاعته فتنتفي فائدته.

السبعون: الإمام مقرب من الطاعة ومبعد عن المعصية ما دام إماما بالضرورة لو أطاعه المكلف وصدور الذنب يستلزم تحريم قبول قوله فيكون مبعدا عن الطاعة مقربا من المعصية لو أطاعه المكلف حين هو إمام فيلزم التناقض وهو محال.

الحادي والسبعون: كلما كان دفع الضرر أولى من جلب النفع كان الإمام معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله بيان الملازمة إن كلما كان دفع الضرر أولى كان السبب المعارض فيه بين كونه سببا لجلب الضرر أو لجلب النفع كان تركه أولى من فعله والملازمة ظاهرة فلو كان الإمام غير معصوم لكان قبول قوله وطاعته مرددا بين كونه جلبا للنفع أو جلبا للضرر فيكون ترك ذلك أولى هذا خلف وأما حقبة المقدم فقد ثبت في علم الكلام.

الثاني والسبعون: لا شئ من إمامة غير المعصوم بخال عن وجوه المفاسد بالامكان وكل واجب خال عن وجوه المفاسد بالضرورة ينتج لا شئ من إمامة غير المعصوم بواجبة وهو المطلوب.

الثالث والسبعون: متى تعارض الشئ بين الوجوب والتحريم قدم التحريم ولا ريب أن غير المعصوم يحتمل في كل آن أن يفسق فيكون قبول قوله وطاعته مترددا بين الوجوب والتحريم فيقدم التحريم فلا يجوز قبول قوله

الصفحة 277
فتستحيل إمامته.

الرابع والسبعون: الواجب لا يحتمل أن يكون حراما واتباع قول غير المعصوم يحتمل أن يكون حراما فاتباع قوله واجب فلا يمكن أن يكون الإمام غير معصوم.

الخامس والستون: كل فاسق فهو غير مقبول قوله بمجرده بالضرورة للآية والشرع كاشف وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كل من يجب قبول قوله بمجرده فليس بفاسق بالضرورة وكل من امتنع فسقه فهو معصوم والإمام يجب قبول قوله بمجرده.

السادس والسبعون: لو كان الإمام غير معصوم احتمل أن يفسق فيجب عدم قبول قوله ومتى جوز المكلف ذلك كان المكلف إلى إمام آخر مبين لحالة فسقه أو عدم فسقه أحوج من إمام مبين له كل مجمل الخطاب والأحكام فيكون إمامة غير المعصوم محوجة إلى إمام آخر.

السابع والسبعون: إذا كان الإمام غير معصوم كانت حاجة المكلفين إلى إمام آخر أشد من عدمه لأن الإمام غير معصوم يمكن أن يحمل المكلف على المعصية والعقل والأمر والنهي لا يكفي في التكليف بل لا بد من مقرب مبعد فلا بد من إمام آخر يأمن المكلف معه ذلك.

الثامن والسبعون: كل إمام ليس اتباع غيره من رعيته أولى من اتباعه بالضرورة ولما كان مناط قبول القول العدالة وكان لها طرفان الفجور والعصمة كانت قابلة للأقل والأكثر وكلما كانت العدالة والصلاح أكثر كان أولى بقبول القول فالإمام إما أن يشترط فيه العدالة أو لا، والثاني محال لاشتراطها في الشاهد والراوي فكيف الحاكم المتصرف في أمور الدين كلها، والأول إما أن يشترط فيه العدالة المطلقة البالغة العصمة وهو المطلوب وإما أن لا يشترط ذلك فيمكن زيادة غيره عليه في الصلاحية فيكون قبول قوله أولى وهو ينافي المقدمة الأولى.

التاسع والسبعون: الإمام تصرفه وقدرته في الغير فيزيد تكليفه فيصير

الصفحة 278
أحوج إلى إمام آخر من رعيته.

الثمانون: الشريعة كما تحتاج إلى مقرر ومؤسس وهو النبي تحتاج إلى حافظ ومقيم لها وهو الإمام وعلة الاحتياج إلى الأول هو حسن التكليف وأهلية المكلف له وعدم الوحي إليه وإنما تنقطع الحاجة بمن يوحي إليه ليعرف الأحكام بالوحي وعلة الحاجة إلى الثاني هو تكليف المكلف وعدم عصمته وعدم ضبطه الأحكام وتعذر بقاء النبي دائما فإنما تنقطع الحاجة بمعصوم ضابط فهما متساويان في اللطف المقرب المبعد فيتساويان في الوجوب.

الحادي والثمانون: الإمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله في التبليغ حفظ الشريعة وفي حمل المكلف عليها ودعائه إليها وإنما يفترقان في التبليغ عن الله تعالى وعن المخبر عنه والوحي وعدمه وكما اشترط في الأول العصمة لما بين في علم الكلام فكذا في الثاني.

الثاني والثمانون، إذا كان الإمام قائما مقام النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأشياء فكما لا يحتمل فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله فيهما النقيض فكذا الإمام وإنما يكون كذلك إذا كان معصوما.

الثالث والثمانون: لا يحصل الغرض من الإمام إلا بشروط - منها - أن يأمن المكلف من خطأه في الحكم وكذبه في التبليغ ويجزم بامتناع تكليفه بغير ما كلفه الله تعالى ولا يمكن ذلك إلا في المعصوم.

الرابع والثمانون: إذا كان الإمام قائما مقام النبي صلى الله عليه وآله في تعريف الأحكام وفي جمل المكلف عليها وفي محاربة الكفار وفي جميع ما أرسل به النبي إلى الأمة سوى الوحي كان أمره كأمره وفعله كفعله ومخالفته كمخالفته ولو لم يكن معصوما لم يكن كذلك.

الخامس والثمانون: لما كان الإمام قائما مقام النبي صلى الله عليه وآله في تبليغ الأحكام وبيان الخطاب والحمل عليه لم يعتن باجتهاد أحد من المجتهدين مع التمكن من الإمام لوجوب متابعة قوله كالنبي صلى الله عليه وآله وإذا كان كذلك فيكون قوله قطعي الصحة فلا شئ من الإمام بغير معصوم ولا شئ من غير

الصفحة 279
المعصوم قوله قطعي الصحة.

السادس والثمانون: الإمام وساطة بين النبي صلى الله عليه وآله والأمة كما أن النبي صلى الله عليه وآله وساطة بين الله تعالى والأمة فلو جاز الخطأ عليها لأمكن أن لا يكون وساطة في ذلك في وقت ما لكنه وساطة دائما فكيف يتحقق منه المعاصي.

السابع والثمانون: كل غير معصوم محتاج إلى هذه الوساطة لتساويهم في علة الحاجة فلو كان الإمام غير معصوم لاحتاج إلى وساطة أخرى بل احتياجه أشد.

الثامن والثمانون: لما كان الإمام هو الوساطة بين الله تعالى وكل غير المعصومين لزم أن لا يكون منهم وإلا لكان وساطة لنفسه.

التاسع والثمانون: لو كان الإمام هو الوساطة بين الله تعالى والأمة بعد النبي عليهما السلام فلا بد وأن يكون أكمل من الجميع فيما هو وساطة فيه لكنه وساطة في العلم بالأحكام والعمل فيكون أكمل من الجميع والأكمل من الكل وممن نفرض وجوده المشارك لهم في علة الاحتياج إلى الوساطة وهو عدم العصمة دائما لا بد وأن يكون معصوما وإلا لأمكن كمالية أحد منهم عليه في وقت هذا خلف.

التسعون: الإمام هو حجة الله تعالى على كل مكلف في كل حكم فلا يصدر منه ذنب لاستحالة أن يجعل الله تعالى حجته على العباد فاعل الذنب في ذلك الحكم حالة وهذا ظاهر لا يحتاج إلى برهان.

الحادي والتسعون: كل من يجوز خطأه يحتاج إلى هاد إما علما أو عملا أو كليهما وهو الإمام ولما كان واحد في كل زمان كان هاديا للكل فلا يمكن أن يحتاج هو إلى هاد وإلا لم يمكن هدايته لغيره إلا بعد تحقيق هادية فلا يكون قوله وفعله حجة حتى يكون له إمام آخر.

الثاني والتسعون: يستحيل من الله تعالى أن ينصب للأمة هاديا يحتاج

الصفحة 280
إلى هاد من غير أن يجعل له هاديا وهذا ظاهر وكل غير معصوم يحتاج إلى هاد من غيره لأنا نعني بالهادي هو المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية فلو لم يتوقف عليه الفعل لم يكن واجبا فلو كان الإمام غير معصوم ولا إمام له استحال أن يجعله الله تعالى هاديا للأمة فكل إمام هاد.

الثالث والتسعون: حيث الإمامة شرطها العدالة والإمامة إمامة مطلقة لا أعلى منها أصلا غير النبوة فشرطها العدالة المطلقة التي منها لا أعلى منها وهي العصمة.

الرابع والتسعون: لما كان الفاسق لا يقبل أخباره في أدنى الأمور الجزئية فائدته فالأمور الكلية التي هي تقرير الشرايع بحيث تبقى إلى ما بعده لا يقبل فيها إلا أخباره من يجزم قطعا بعدم جواز الفسق عليه وهو العصمة.

الخامس والتسعون: يستحيل من الله تعالى أن يأمرنا في تحصيل الهداية باتباع من يمكن أن يضلها ولا يهدينا مع وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف والمانع الذي هو التكليف والعقل غير كاف لغير المعصوم وعلم الله تعالى مطابق بعلم الأشياء كما هي فإذا كان يمكن الاضلال لا يعلم خلافه وإنما يعلم إمكان الاضلال، لا يقال لا يلزم من هذا الامكان الوقوع فجاز أن يعلم الله تعالى أن هذا لا يقع لأنا نقول: لكن المكلف يجوز ذلك فلا يحصل له داع إلى اتباعه إذ لم يأمن باتباع الهلاك بل هو داع عظيم إلى ترك امتثال قوله فتنتفي فائدته.

السادس والتسعون: أمر الله تعالى ونهيه وترغيبه في الثواب وترهيبه بحصول العقاب مع جزم المكلف جزما تاما بأن الله تعالى صادق الوعد فيلزم الجزم بحصول النجاة بامتثاله والهداية باتباعه والضلال بعدمه المؤدي إلى استحقاق العذاب قطعا لا يكفي في تحصيل داعي المكلف إلى الفعل وترغيبه منه بل يحتاج إلى الإمام وإلا لما وجب لغير المعصوم فكيف يكفي في تحصيل طريق يجوز المكلف كونه سببا للهلاك وكيف يجوز من الحكيم الذي حكمه لا يتناهى أن يأمر من يعلم أنه لا يكفيه الطريق المؤدي إلى السلامة والصواب

الصفحة 281
دائما قطعا باتباع طريق في ذلك يمكن أن يكون طريقا إلى الهلاك وإلى المبعد عن الطريق الأول وليس هذا إلا من النقص العام ويستحيل من الكامل المطلق أن يصدر منه ذلك.

السابع والتسعون: النتائج الضرورية إنما تحصل من القضايا الضرورية لما ثبت في علم البرهان فلو لم يكن الإمام معصوما لكان الله تعالى قد أمرنا باستنتاج القضايا الضرورية من غيرها والتالي باطل لأنه إنما يتحقق من الجهل والعبث فالمقدم مثله وبيان الملازمة أن الإصابة في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه واستحقاق الثواب والعقاب ضرورية يحصل ذلك من غير المعصوم الذي لا يكون ضروريا منه ذلك لإمكان خلافه وهو الاستنتاج الضروري من غيره وهو محال.

الثامن والتسعون: أمر الإمام ونهيه اتباعه في تحصيل الإصابة في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه وتحصيل استحقاق الثواب ومخالفته في استحقاق العقاب ليس من باب الاستقراء ولا التمثيل لأنهما ليسا دليلين والله تعالى جعل الإمام دليلا ولا من باب الخطابة لاختصاصهما بالعوام ولا من باب الجدل لأنه لا طريق بعده ولا من باب المغالطة وهو ظاهر فتعين أن يكون برهانا فيجب أن يكون معصوما وإلا لاستنتج النتائج الضرورية من الممكنات في البرهان وهذا محال قد ثبت في علم البرهان فيستحيل أن يجعل له الله تعالى طريقا وأن يأمر به.

التاسع والتسعون: لو لم يكن الإمام معصوما لزم أن يكون الله تعالى قد جعل الطريق المقرب ما يستحيل أداؤه إلى المطلوب والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن المطلوب هو تحصيل الإصابة في أوامر الله تعالى ونواهيه فهي ضرورية والإمام غير المعصوم طريق من القضايا الممكنة ويستحيل استنتاج الضروري من الممكن في البرهان وأما بطلان التالي فظاهر إذ جعل طريق إلى تحصيل شئ محال أن يحصل منه من الحكيم العالم محال.

المائة: الإمام أما أن يكون معصوما في التبليغ أولا والثاني يستلزم جواز

الصفحة 282
الاضلال والدعاء إلى المعاصي فلا يبقى وثوق بقوله ولا يحصل للمكلف وثوق بأنه لطف والأول يستلزم عصمته مطلقا لأنه كلما لم يكن معصوما في الأفعال لم يكن معصوما في الأخبار للآية تم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.


الصفحة 283

المائة السابعة

الأول: لو لم يكن الإمام معصوما لكان إما أن يكون تكليفه أخف من تكليفنا أو أثقل أو أكثر أو مساويا له والأول باطل لتساوينا في الواجبات وإنما يختلف بتوابع المرؤسية والرياسة ولا ريب أن الثاني أكثر وأثقل وهو مساو لنا في علة الاحتياج إلى اللطف الذي هو شرط في التكليف وهو المقرب والمبعد إذ علة الاحتياج هو جواز الخطأ فيلزم تساوي المكلفين في الشرط والتكليف أو الزيادة مع أن أحدهما قد فعل الله تعالى الشرط الراجع إليه إلى أحدهما دون الآخر وهذا محال.

الثاني: يستحيل من الله تعالى أن يجعل مصلحة زيد بمفسدة غيره وإلا لزم الظلم وإذا كان الإمام مساويا لنا في الاحتياج إلى اللطف المقرب المبعد ولم يجعل للإمام لطفا لإمامته ورياسته علينا فإنه يكون قد جعل مصلحتنا بمفسدة الإمام وهو منعه من اللطف وهو محال.

الثالث: إذا كان اللطف لزيد مثلا من فعل الغير وهو ضرر للفاعل قبح تكليف الفاعل به لأجل زيد وإلا لزم الظلم وقد بان ذلك في علم الكلام فالإمام إذا ساوانا في علة الاحتياج وقبوله الإمامة وقيامه بها منعه عن إمام آخر يقربه مع احتياجه إليه فيلزم ضرورة بذلك اللطف غيره وهو محال.

الرابع: لو كان الإمام غير معصوم فإمامته إما أن تكون لطفا لنا خاصة

الصفحة 284
أو له خاصة أو لنا وله أوليس لنا ولا له والرابع محال وإلا لما وجبت والأول والثاني محالان وإلا لكان تكليفنا بطاعته أو تكليفه بإمامتنا والقيام بها تكليفا للغير للطف غيره وهو محال قد ثبت في علم الكلام فتعين الثالث فتساوي فعلها فينا وفيه مع تمكنه من حمل المكلف على الطاعة وإبعاده عن المعصية أو طاعة المكلفين له لكن فعلها فينا مع هذا الشرط هو التقريب من الطاعة بحيث لا يخل بواجب والبعد عن المعصية بحيث لا تقع وهو يوجب عصمته وهو المطلوب.

الخامس: لو لم يشترط صحة العمل في الإمام لم يشترط فيه العلم لأن العلم إنما يراد لصحة العمل فإذا لم يشترط صحة العمل لم يكن المراد لأجله شرطا فيلزم كون الإمام عاصيا جاهلا فلا فائدة في إمامته أصلا والباتة إذ لا يرشد إلى العلم ولا إلى العمل فيجب كونه مجزوما بصحة عمله وليس كذلك إلا المعصوم فيجب كونه معصوما.

السادس: القاضي الجاهل أولى بالعذر من العالم فلو لم يكن الإمام معصوما لكانت إمامة الجاهل أولى من إمامة العالم لأنه بالعذر أولى.

السابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قضية مشروع وإنما يتحقق بأمر ومأمور والأمر لا بد أن يكون معينا شخصيا والمأمور هو غير المعصوم فالأمر الأصلي هو المعصوم وإلا اتحد المضاف والمضاف إليه باعتبار واحد ومحال أن يكون كل واحد أمرا أصليا للآخر وإلا لزم وقوع الفتن والهرج.

الثامن: الإمام هو الآمر لكل غير المعصوم بالمعروف والناهي لهم عن المنكر فلو كان غير معصوم لكان أما آمرا لنفسه أو لا يوجد له أمر مع مساواته إياهم في علة الحاجة إليه هذا خلف.

التاسع: كل من لا آمر له بالمعروف ولا ناهي له عن المنكر هو آمر للكل لا يصدر منه قبيح ولا يخل بواجب وإلا فإما أن لا يجب أمره ونهيه وهو محال إذ علة الوجوب الصدور والترك أو يجب من غير من يجب عليه وهو محال

الصفحة 285
لأنا فرضنا أنه لا آمر له فهو المعصوم والإمام لا آمر له لأنه إمام من رعيته وهو يوجب سقوط وقعه وعدم القبول منه وأيضا فإن ذلك محال فإن السلطان لا تتمكن رعيته من أمره ونهيه فيكون الوجوب خاليا من الفائدة بالكلية وأما أن يكون له إمام آخر وهو يوجب التسلسل.

العاشر: قوة الإمام العقلية قاهرة للقوى الشهوية الموجودة في زمانه كلها لو بسطت يده فمحال أن يقهرها قوة ما شهوية فيستحيل عليه المعصية.

الحادي عشر: الإمام مقتدى الكل ويجب عليهم الاقتداء به ومتابعته في أقواله وأفعاله جميعا فلا بد وأن يكون عقله أكمل من الكل فلو عصى في وقت لكان عقله أنقص في ذلك الوقت من المطيع وهو محال.

الثاني عشر: يقبح تقديم المفضول على الفاضل فيجب أن يكون له الكمال الممكن للإنسان الأقصى في جانبي العلم والعمل فهو معصوم.

الثالث عشر: عدم عصمة الإمام ملزومة لإمكان انتفاء الغاية منه الملزوم لصدق كلما كان الإمام المتمكن حين إمامته الممكنة غير معصوم أمكن أن يصدق لا شئ من الغاية منه ثابتة حين إمامته الممكنة لكن كلما كان الإمام إماما متمكنا كانت الغاية منه ثابتة بالضرورة ما دام إماما متمكنا أما صدق الأولى فلأن الغاية من الإمام التقريب من الطاعة والتبعيد من المعصية عن المعصية مع تمكنه فإذا لم يكن الإمام معصوما أمكن عدم حصول هذه الغاية وهو ظاهر وأما الثانية فلأنه لو لم يجب حصول الغاية عند ثبوت الإمامة لزم أحد الأمرين أما إمكان العبث أو الجهل أو عدمهما حال ثبوتها باعتبار ثبوتها وكلاهما محال والملازمة ظاهرة لكن صدق هاتين المقدمتين بجميع أقسامهما محال بالضرورة.

الرابع عشر: قوله تعالى: (إنك لمن المرسلين) (على صرط مستقيم) (تنزيل العزيز الرحيم) (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) (لقد حق القول على أكثرهم) وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات، الأولى أن الغاية معلولة بوجودها وعلة بماهيتها كالجلوس على

الصفحة 286
السرير فإنه علة لفعل الصانع له ومعلول له - الثانية - إن جعل ما ليس بعلة علة من الحكيم العالم به قبيح محال - الثالثة - إنه تعالى عالم بكل معلوم وهو حكيم - الرابعة - اللام في قوله لتنذر لام الغاية وهو ظاهر إذا تقرر ذلك فنقول: جعل الله تعالى ذا الغاية المذكورة وهي الإبذار أشياء، أحدها وجود المنذر، وثانيها أنه مرسل، وثالثها أنه عليه السلام على صراط مستقيم، ورابعها أن ذلك الصراط المستقيم تنزيل العزيز الرحيم وكذا إرساله عليه السلام فعرفنا إن الانذار موقوف على هذه الأشياء أما توقفه على نصبه تعالى إياه رسولا فلترجيح وجوب طاعته من بين بني نوح ولدفع اعتراض المعترضين فإن كلامهم مع المماثلة في عدم نصبه تعالى أوجه من المماثلة البشرية وأما توقفه على كونه على صراط مستقيم فلأنه لو كان طريقه غير صحيح في الكل كان اتباعه قبيحا فيتوجه الحجة للمكلفين على عدم اتباعه وإن كان في البعض لم يكن كلامه وفعله وطريقه دالا على الصواب لأنه أعم منه حينئذ ولا دلالة للعام على الخاص فيكون حجة المكلف في ترك اتباعه أظهر فتعين أن يكون طريقه صوابا دائما وأما توقفه على كونه منزلا من عند الله فبمعرفة صحة ما لم يدركه العقل في الأمور النقلية وانتفاء عذر المكلف بعدم إدراك عقله إياه في الأمور والنظرية التفصيلية إذا تقرر ذلك فشرط في الإمام أيضا كونه بنصب الله تعالى وبأنه على صراط مستقيم أي كون أمره ونهيه وإخباره وفعله وتركه صوابا كونه من عند الله لمشاركة النبي الإمام في الغاية وهي الانذار وحمل المكلفين وإلزامهم بذلك ويكون الفارق أن النبي صلى الله عليه وآله يعلمه بالوحي وهذا يعلمه من النبي عليه السلام فدعاء النبي والإمام إلى شئ واحد وهما معا على صراط مستقيم وهو يرد من عند الله إلى النبي بالوحي وإلى الإمام بإخبار النبي عليه السلام إياه وإنما يتحقق ذلك مع كون الإمام معصوما.

الخامس عشر: إنه جعل في هذه الآية إن بعد هذه الأمور حق القول عليهم فمع الاخلال بشئ منها لا يلزم ذلك فبعد موت النبي عليه السلام وإن لم يوجد من له هذه الصفات أعني وجود المنذر وكونه بنصب الله تعالى وكونه على صراط مستقيم وأنه يرد من عند الله والفارق بينهما أن النبي رسول

الصفحة 287
من عند الله تعالى وهذا نائب عنه لكن يتحدان في الغاية والطريق لم يحق القول، لا يقال: هذان الدليلان مبنيان على أن الغاية إذا تعقبت الجمل رجعت إلى الكل وهو ممنوع لأنا نقول: قد بينا وجه تعلقها بالكل.

السادس عشر: لو تساوى الإمام والمأموم في علة الاحتياج إلى إمام لزم أحد الأمرين إما خلو بعض المكلفين عن اللطف أو احتياج الإمام إلى إمام آخر ويلزم أيضا الترجيح من غير مرجح.

السابع عشر: قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، أثبت لهم أربعة أشياء، أحدها: كون طريقهم مستقيما، الثاني: إنه تعالى أنعم عليهم بهذا الطريق، الثالث:

كونهم غير مغضوب عليهم، والرابع: كونهم غير ضالين فنقول: أما أن يكون هذا الطريق مستقيما في جميع الأحوال والتكاليف والأفعال والأقوال أو في بعضها والثاني محال لاشتراك الكل فسؤاله عبث فتعين الأول وإنما يتم بعصمتهم بل هو صريح فيها وكذا نقول في نفي الغضب عليهم ونفي ضلالهم ودلالته على نفيهما عنهم دائما ظاهر واضح وإنما يتم بعصمتهم، فنقول: إما أن تكون هذه طريقة الإمام أو تكون طريقة الإمام غيرهما والثاني محال لأنا مكلفون باتباع الإمام واتباع طريقته ومن المحال أن يأمرنا بسؤال الهداية إلى طريقة ويكلفنا اتباع غيرها فتعين الأول فيكون معصوما.

الثامن عشر: إما أن لا يكون شئ واحد من الناس معصوما أو يكون كل الناس معصوما أو يكون البعض معصوما والأول باطل لقوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وسلطان نكرة في معرض النفي فيعم جميع وجوهه وكل آت بذنب فللشيطان عليه سلطان في الجملة وهو ينافي النفي الكلي والثاني باطل بالاجماع والثالث إما أن يكون ذلك البعض هو الإمام وحده أو مع غيره والثالث محال لقوله تعالى: أفمن يهدي إلى الحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون، ولأن الاحتياج إلى عصمة الإمام أكثر من عصمة غيره ولتأثيرها فيه وفي غيره من الناس وعصمة غيره لا تؤثر إلا فيه فيكون هو أولى بالعصمة والأول والثاني

الصفحة 288
هو مطلوبنا.

التاسع عشر: عدالة الإمام في كل وقت تفرض هي علة في تقريب المكلف من فعل الواجب وترك المحرم فلا بد وأن يكون الوجود أولى بها وقد بين في العالم الأعلى أن الأولوية لا تنفك عن الوجوب وذلك هو العصمة.

العشرون: العلة في الوجود يجب لها الوجود حال كونها علة وعدالة الإمام في كل وقت تفرض وفي كل حال علة في عدالة المكلف فتجب للإمام والعدالة المذكورة هي العصمة، لا يقال: عدالة الإمام علة معدة وهي لا يجب أن تكون موجودة بل جاز أن تكون عدمية، لأنا نقول: العلل المعدة إما بوجودها أو بعدمها كالأجزاء المفروضة في الحركة والأولى حال عليتها يجب لها الوجود وهو المطلوب ولا يمكن أن تكون هذه معدة بعدمها لأن عدمها في وقت ما ينافي لطف المكلفين في ذلك الوقت.

الحادي والعشرون: إنما جعل الإمام لتكميل القوة العملية والتكميل إنما يحصل من الكامل لاستحالة إفادة الناقص الكمال والتكميل المطلوب ليس إلى مرتبة دون ما فوقها لاختلاف ذلك باختلاف المكلفين بل الكمال التمكن للنفس الإنسانية وذلك هو العصمة.

الثاني والعشرون: غير المعصوم ظالم بالامكان ولا شئ من الظالم بإمام بالضرورة ينتج لا شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة أما الصغرى فلأن كل غير معصوم مذنب وهو ظاهر وكل مذنب ظالم لأن الآيات المصرحة بذلك كثيرة في الكتاب العزيز وأما الكبرى فقوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) والمراد بالعهد هنا الإمامة لقوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) ووجوب مطابقة الجواب للسؤال واستحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة يوجب ذلك وهذا ظاهر ولا لنفي الدائم والدائمة مستلزمة للضرورية كما بين في المنطق وهذا مبني على مقدمات ثلاث - أحدها - إن الممكنة الصغرى في الشكل الأول تنتج بديهية وقد بيناه في المنطق وعليه القدماء - وثانيتها - استلزم الدائمة الضرورية وقد

الصفحة 289
بيناه في العلم الإلهي لاستحالة أن يكون الاتفاقي دائما وأكثريا - وثالثتها - إن النتيجة ضرورية وقد بان في المنطق أيضا.

الثالث والعشرون: للإنسان حالتان دار الدنيا ودار الآخرة والأولى سماها الله تعالى درا الغرور واللهو واللعب وفي مشاهدتنا أن البليات فيها لاحقة للأنبياء والأولياء وهي منقضية وقد أحكمها الله تعالى وأحكم خلق بدن الإنسان وجعل فيه من القوى المدركة والغاذية وما يتوقف عليه وجعل له قوى العلوم وبمراتبها وفيه من العجائب ما يبهر عقل كل عاقل ولا يعرف ذلك إلا من وقف على علم التشريح ثم خلق من المطعومات والمشمومات والمركوبات والنبات والحيوان والمعادن وحركات الكواكب وتأثيراتها بالحر والبرد ما يدل بصريحة على تمام حكمة صانعة فتبارك الله أحسن الخالقين ثم قال تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا تكرمه لبني آدم فالعاقل إذا أمعن النطر بصحيح الفكر والاعتبار يجد هذه الدار التي سماها لهوا ولعبا ودار الغرور بهذه الحكمة ويكرم الإنسان فيها بهذه الكرامة بهذه المنافع لم يهمل دار قراره وآخرته بأن لا ينصب إماما معصوما يحصل اليقين بقوله يحفظ الشرع ويقيم نظام النوع ويهديه ويلزمه الطريق الذي يوصله إلى دار القرار بل يجعل ذلك موكولا إلى الخلق ولا يجعل فيهم معصوما ليختار أرباب العقول الضعيفة والقوى الشهوية والغضبية والقوية بعقلهم من لا يحصل اليقين بقوله هو ولا يؤده بفعله إذ يجوز عليه الخطأ أو أكبر منه فلا يحصل له طريق إلى اليقين بحكم الله تعالى فكيف يمكن إحكام أمور الإنسان في هذه الدار وإهمال أموره في تلك الدار مع أن هذه الدار ليست بمقصودة بالذات إنما المقصود تلك وهذا ينافي الحكمة بالضرورة وما ينافي الحكمة بالضرورة لا يقول به من له أدنى فطنة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الرابع والعشرون: الدليل لا بد أن يمتنع معه نقيض المدول وإلا لم يكن دليلا وحجة وقول الإمام دليل وفعله دليل على الصواب فيمتنع عليه نقيضه ولا نعني بالعصمة إلا ذلك.

الخامس والعشرون:

خلق الله تعالى للإنسان طرقا لمعرفة منافعه في

الصفحة 290
العالم الحسي الذي هو دار غرور وتلك الطرق يقينية كالحواس الظاهرة والباطنة ولا يجعل له إلى معرفة منافعه ومصالحه في دار الآخرة طريقا مفيدا لليقين وهذا ينافي الحكمة والطريق إلى معرفة أحوال الآخرة وأحكام الشرع الأنبياء والأئمة عليهم السلام فإذا لم يجعلهم معصومين لم يجعل للآخرة طريقا مفيدا لليقين وهذا ينافي الحكمة.

السادس والعشرون: لا بد أن يكون المبطل والرافع أقوى من المبطل والمرفوع لاستحالة كونه أضعف واستلزام التساوي الترجيح بلا مرجح والمنهي عنه والممنوع منه هو ما تقتضيه القوى الشهوية والغضبية واللذة والغضب من الأمور الوجدانية والمحسوسة والمانع منهما هو قول الإمام فإذا لم يكن معصوما لم يفد قوله العلم ولا الظن لأن إمكان الخطأ فيه ثابت وترجيح أحد طرفي الممكن لا لمرجح محال فيكون المانع والمبطل أضعف دلالة من الممنوع والمبطل فلا يليق من الحكيم ذلك.

السابع والعشرون: كل ما وجب بسبب وجه حاجة ما فإذا وجد فيه اعتبار وجوده وعدم المانع يرتفع وجه الحاجة بالضرورة إذ لو لم يرتفع وجوده وجه الحاجة احتاج في دفعه إلى شئ آخر إذا تقرر ذلك فوجه الحاجة إلى الإمام جواز الخطأ على المكلف فإذا تمكن الإمام وأطاعه المكلف وعلم بأفعاله أما أن يرتفع خطأ كل مكلف تحققت فيه الشرائط أولا والثاني يستلزم التسلسل والتالي باطل فكذا المقدم بيان الملازمة أن الإمام إذا لم يكن معصوما يرتفع وجه الحاجة وهو جواز الخطأ وهو ضروري فإن جواز إهماله بل أمره بالباطل متحقق فيحتاج إلى إمام آخر ويتسلسل.

الثامن والعشرون: ما وجب لدفع وجه الحاجة لا يمكن أن يؤكد وجه الحاجة ووجه الحاجة إلى الإمام جواز الخطأ على المكلف فإذا لم يكن الإمام معصوما جاز إلزامه للمكلف بالخطأ فيكون مؤكدا لوجه الحاجة فيمتنع كونه إماما.

التاسع والعشرون: إمامة غير المعصوم أولى بالرفع من عدم الإمامة

الصفحة 291
لكن رفع الثاني واجب فالأول أولى بالوجوب أما الأول فلأن عدم الإمامة يستلزم جواز الخطأ وأما إمامة غير المعصوم فجواز الخطأ ثابت مع جواز إلزام الإمام به وتمكنه من التعدي على غيره والظلم وأنواع كثيرة من الفساد لا يقع مع عدم الإمام فكان رفع هذا أولى من رفع عدم الإمام لكن رفع عدم الإمام واجب لوجوب نصب الإمام إما على الله تعالى عندنا أو على المكلفين عند آخرين بالاتفاق إلا في شذ وهو من لا يقدح خلافه في الاجماع على وجوب رفع عدم الإمام بنصبه فيجب القول بعدم إمامة غير المعصوم وهو المطلوب.

الثلاثون: كل ما يلزم مع عدم الإمام من جواز الخطأ على المكلفين من المحذور يلزم مع ثبوت الإمام الغير المعصوم وزيادة محاذر أخرى لأن اللازم من جواز الخطأ على المكلفين من المحذور مع عدم الإمام إذا كان الإمام غير معصوم ولا إمام له لازم أيضا لأنه مكلف جائز الخطأ وأما الزيادة فلأنه زيادة أقدار غير المعصوم وجواز حمله على الظلم وقتل الأنفس كما وقع وشوهد ممن تقدم من الرؤساء كبني أمية لعنهم الله تعالى فإن الذي فعله يزيد لعنه الله بالحسين وأولاده وما تظاهر يزيد به من شرب الخمور وخراب بيت الله الحرام ومدينة رسول الله صلى الله عليه وآله فذلك لم يحصل من أحد من الرعية وكل ما يحصل منه ما يحصل من شئ وزيادة لا يحسن من الحكيم العالم به أن يجعله دافعا لمفسدة ذلك الشئ وهذا أمر ضروري فلا يحسن من الحكيم العالم عز وجل نصب إمام غير معصوم ولا يحسن منه أيضا الأمر بنصبه على قول من يوجب الإمامة على الناس بإيجاب الله تعالى لأن الضرورة قاضية بأن من يطلب رفع شئ لا يأتي بما يحصل منه ذلك مع زيادة مفسدة تكون أولى بالرفع بل إنما يفعل ذلك الجاهل أو المحتاج أو العابث والكل منتف في حق الله تعالى.

الحادي والثلاثون: جواز خطأ المكلف وظلمه لنفسه جهة حاجة المكلف إلى إمام معصوم وخطأ على غيره أشد محذورا من خطأه على نفسه فكونه جهة حاجة أولى من كون الإمام إياها وهذا الوجه في تمكن غير المعصوم ورياسته أشد من كونه رعية فإمامة غير المعصوم تكون جهة حاجته إلى إمام

الصفحة 292
آخر أولى وأشد من حاجة الرعية فإهمال الأولى والأشد والنظر إلى المرجوح لا يليق بالحكيم العالم بكل معلوم.

الثاني والثلاثون: فائدة الإمام في الأشياء في الأمور التي تتوقف على الاجتماع كالحروب وإقامة الحدود والعقوبات الشرعية وغيرها وفيما يرجع إلى كل واحد من المكلفين في معاده ومعاشه وعباداته وفي ما يرجع إلى حفظ نظام النوع وفائدته في ذلك كله الحمل على الحق والمنع من الباطل بالنسبة إلى المجموع وإلى كل واحد من المكلفين بالنسبة إلى كل واحد من التكاليف والأمور الشرعية في كل زمان وإنما يمكن ذلك لو امتنع عليه الخطأ في كل واحد واحد من الأحكام الشرعية لأن المراد منه امتناع الخطأ في كل واحد واحد على غيره فعليه أولى ويمتنع عليه الخطأ بالنسبة إلى كل واحد من المكلفين وإلا لخلا واحد عن اللطف في كل زمان زمان وإلا لخلا زمان عن اللطف وإنما يكون كذلك إذا كان الإمام معصوما بالضرورة.

الثالث والثلاثون: إمامة غير المعصوم مستلزمة لإمكان اجتماع النقيضين واللازم محال فكذا الملزوم بيان الملازمة إن غير المعصوم إذا أمر بالخطأ وتوقع من مخالفته الفتنة كما إذا أمر بسفك الدماء المعصومة مثلا فوجوب متابعته مع تحريم ذلك الفعل اجتماع النقيضين ووجوب مخالفته مستلزم للفتنة مع تحريمها واستلزام نقض الغرض من الإمام إذ المقصود منه نظام النوع وفي الفتنة اختلال النوع وذلك يستلزم اجتماع النقيضين وعدم متابعته كذلك.

الرابع والثلاثون: وجوب طاعة الإمام كوجوب طاعة النبي ووجوب طاعة الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وإنما تتماثل الطاعتان في الوجوب لو تماثل الأمران لكن أمر الله تعالى لا يمكن أن يكون خطأ فكذا أمر الإمام وفعله ولا نعني بالمعصوم إلا ذلك.

الخامس والثلاثون: الواجب لا بد وأن يختص بصفة زائدة على حسنة تقتضي وجوبه إذ إيجاب أحد المتساويين دون الآخر ترجيح من غير مرجح لا

الصفحة 293
يليق بالحكيم فإيجاب اتباع الإمام في أفعاله وأقواله لا بد وأن يكون بصفة فيها وتلك هي كونها صوابا دائما ولا نعني بالمعصوم إلا ذلك.

السادس والثلاثون: قوله تعالى: (إنك لمن المرسلين على صرط مستقيم) هذا يدل على عصمة النبي لأن معنى كونه على صراط مستقيم أنه لا يجوز عليه الخطأ بل كل أفعاله صواب وإلا لخرج عن الاستقامة في وقت ما لكن إنما يقال أنه على صراط مستقيم إن لو كان كذلك دائما ولأنه ترغيب في وجوب اتباعه وإعلام للأمة أن النبي عليه الصلاة والسلام على صراط مستقيم فاتبعوه إلى ذلك الصراط ما دام هو نبي لكن النبوة له دائما وعلى كل التقادير فكذا وجوب الاتباع فيكون على صراط مستقيم دائما والقائم مقامه وخليفته داع إلى ما دعا إليه فينبغي أن يكون على ذلك الصراط الذي هو عليه فيجب كونه معصوما.

السابع والثلاثون: قوله تعالى: (تنزيل العزيز الرحيم) هذا ترغيب من وجهين، أحدهما: إنه قد حكم بأن ما يأتي به الرسول فهو تنزيل من الله تعالى، وثانيهما: إن الذي نزله عزيز غني عالم وإنما نزله رحمة بكم لأنه رحيم فيكون ما يأتي به رحمة من الله تعالى ولا يعلم أنه كذلك إلا بكونه معصوما فالداعي إلى ما دعا إليه والقائم مقامه في كل الأحوال والأفعال يجب كونه كذلك.

الثامن والثلاثون: قوله تعالى: ((واضرب مثلا لهم أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون) (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا) الآية وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات، أحدهما: إن رحمة الله تعالى متساوية بل على أمة محمد عليه السلام أولى، الثانية: أمة محمد صلى الله عليه وآله أشرف من ساير الأمم لقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس، الثالثة: إن لطف الإمامة كلطف النبوة، إذا تقرر ذلك فنقول:

لطف الله تعالى في حق الأمة الذين كذبوا وأنكروا الرسالة عليهم بعد التكذيب ولا لطف أعظم من طريق مفيد للعلم بطريق الآخرة وتحصيل السعادة الأبدية والدلالة على الأحكام الشرعية وحفظها بمعصوم فهل يتلطف